نام کتاب : في ظلال التوحيد نویسنده : الشيخ السبحاني جلد : 1 صفحه : 507
وقوله سبحانه : { والله الغني وأنتم الفقراء } [1] وقال سبحانه على لسان نبيه الكريم موسى ( عليه السلام ) : { رب إني لما أنزلت إلى من خير فقير } [2] . فبما أن عالم الكون عالم إمكاني لا يملك من لدن ذاته وجودا ولا كمالا ، بل كل ما يملك من وجود وكمال فقد أفيض إليه من جانبه سبحانه فهو بحكم الإمكان موجود مفتقر في عامة شؤونه وتأثيره وعليته . ونظرا لتوقف تأثير كل ظاهرة كونية على إذنه سبحانه كما جاء في قوله تعالى : { إن ربكم الله الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام ثم استوى على العرش يدبر الأمر ما من شفيع إلا من بعد إذنه ذلكم الله ربكم فاعبدوه أفلا تذكرون } [3] فإن الآية بعدما تصف الله سبحانه بأنه خالق السماوات والأرض في ستة أيام وأنه استوى بعد ذلك على العرش ، وأنه يدبر أمر الخلق ، تعلن بأن كل ما في الكون من العلل الطبيعية والظواهر المادية يؤثر بعضه في البعض بإذنه سبحانه ، وأنه ليست هناك علة مستقلة في التأثير ، بل كل ما في الكون من العلل ، ذاته وتأثيره ، قائمان به سبحانه وبإذنه ، فالمراد من الشفيع في الآية هو الأسباب والعلل المادية وغيرها ، الواقعة في طريق وجود الأشياء وتحققها وإنما سميت العلة شفيعا ، لأن تأثيرها يتوقف على إذنه سبحانه ، فهي ( مشفوعة إلى إذنه سبحانه ) تؤثر وتعطي ما تعطي . وعلى ذلك تخرج الآية عن الدلالة على الشفاعة المصطلحة بين المفسرين وعلماء الكلام ، وإنما اخترنا هذا المعنى لوجود قرائن في نفس الآية ، فإنها تبحث في صدرها عن خلق السماوات والأرض وتحديد مدة الخلق والإيجاد بستة أيام ، ثم