نام کتاب : في ظلال التوحيد نویسنده : الشيخ السبحاني جلد : 1 صفحه : 501
5 - أن يعهد الله سبحانه له بالشفاعة كما يشير إليه قوله : { إلا من اتخذ عند الرحمن عهدا } . ثم إن هناك سؤالا يطرح في هذا المقام ، وهو كيف يصح الجمع بين هذا الصنف من الآيات التي تثبت الشفاعة لغيره سبحانه ، والصنف الخامس الذي يخصها بالله سبحانه ؟ والجواب : أن مقتضى التوحيد في الأفعال ، وأنه لا مؤثر في عالم الكون إلا الله سبحانه ، ولا يوجد في الكون مؤثر مستقل سواه ، وأن تأثير سائر العلل إنما هو على وجه التبعية لإرادته سبحانه ومشيئته ، والاعتراف بمثل العلل التابعة لا ينافي انحصار التأثير الاستقلالي في الله سبحانه ، ومن ليس له إلمام بالمعارف القرآنية يواجه حيرة كبيرة تجاه طائفتين من الآيات ، إذ كيف يمكن أن تنحصر شؤون وأفعال ، كالشفاعة ، والمالكية ، والرازقية ، وتوفي الأرواح ، والعلم بالغيب ، والإشفاء بالله سبحانه ، كما عليه أكثر الآيات القرآنية ، بينما تنسب هذه الأفعال في آيات أخرى إلى غير الله من عباده . فكيف ينسجم هذا الانحصار مع هذه النسبة ؟ غير أن الملمين بمعارف الكتاب العزيز يدركون أن هذه الأمور على وجه الاستقلال والأصالة قائمة بالله سبحانه ، مختصة به ، في حين أن هذه الأمور تصدر من الغير على وجه التبعية وفي ظل القدرة الإلهية . وقد اجتمعت النسبتان في قوله تعالى : { وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى } [1] . فهذه الآية عندما تنسب الرمي بصراحة إلى النبي الأعظم ، تسلبه عنه وتنسبه إلى الله سبحانه ، ذلك لأن انتساب الفعل إلى الله ( الذي منه وجود العبد وقوته وقدرته ) أقوى بكثير من انتسابه إلى العبد ، بحيث ينبغي أن يعتبر الفعل فعلا