نام کتاب : في ظلال التوحيد نویسنده : الشيخ السبحاني جلد : 1 صفحه : 123
تجعل كل مظهر من مظاهر الحياة المادية خطيئة كبرى ، فدعت إلى الرهبانية ، وترك ملاذ الحياة ، والانعزال عن المجتمع ، والعيش في الأديرة وقلل الجبال ، وتحمل الظلم والرفق مع المعتدين ، كما غالت اليهودية في الانكباب على المادة حتى نسيت كل قيمة روحية وجعلت الحصول على المادة بأي وسيلة كانت ، المقصد الأسنى ، ودعت إلى القومية الغاشمة والطائفية المقيتة . وهذه المبادئ سواء أصحت عن الكليم والمسيح ( عليهما السلام ) أم لم تصح ( ولن تصح إلا أن يكون لإنقاذ الشعب الإسرائيلي من ملاذ الحياة يوم ذاك وإنجائهم عن التوغل في الماديات ، وسحبهم إلى المعنويات بشدة وعنف . وإن شئت قلت : كانت تعاليمه إصلاحا مؤقتا لإسراف اليهود وغلوهم في عبادة المال حتى أفسدوا أخلاقهم ، وآثروا دنياهم على دينهم ) هذه المبادئ لا تتماشى مع الحضارات الإنسانية التقدمية ولا تسعدها في معترك الحياة ، ولا تتلاءم مع حكم العقل ولا الفطرة السليمة . لكن الإسلام جاء لينظر إلى واقع الإنسان ، بما هو كائن ، لا غنى له عن المادة ، ولا عن الحياة الروحية ، فأولاهما عنايته ، ودعا إلى المادة والالتذاذ بها بشكل لا يضر بالحياة الروحية ، كما دعا إلى حياة روحية لا تصطدم مع الفطرة وطبيعتها . هذه هي حقيقة الإسلام ومرونته وسبب تماشيه مع الحضارات المختلفة حتى حضارة اليوم الصناعية ، فلو حصرنا الجائز من العاديات بما في عصر النبي تكون النتيجة حياد الإسلام عن الساحة ، وبطلانه ، مع أنه خاتم الشرائع ، وكتابه خاتم الكتب ، ونبيه خاتم النبيين . والآن هلم معي ندرس آراء المتزمتين في الأمور العادية ثم نبكي على الإسلام وأهله : 1 - يقول الشاطبي : إن من السلف من يرشد كلامه إلى أن العاديات كالعبادات ، فكما أننا مأمورون في العبادات بأن لا نحدث فيها فكذلك العاديات ،
123
نام کتاب : في ظلال التوحيد نویسنده : الشيخ السبحاني جلد : 1 صفحه : 123