الانسان خاليا من كل معرفة فطرية ، ويبدأ وعيه وادراكه بابتداء حياته العملية ، ويتسع علمه كلما اتسعت تجاربه ، وتتنوع معارفه كلما تنوعت تلك التجارب . فالتجريبيون لا يعترفون بمعارف عقلية ضرورية سابقة على التجربة ويعتبرون التجربة الأساس الوحيد للحكم الصحيح والمقياس العام في كل مجال من المجالات ، وحتى تلك الاحكام التي ادعى المذهب العقلي أنها معارف ضرورية لا بد من إخضاعها للمقياس التجريبي والاعتراف بها بمقدار ما تحدده التجربة ، لأن الانسان لا يملك حكما يستغني عن التجربة في اثباته ، وينشأ من ذلك . أولا : تحديد طاقة الفكر البشري بحدود الميدان التجريبي ويصبح من العبث كل بحث ميتافيزيقي أو دراسة لمسائل ما وراء الطبيعة ، على عكس المذهب العقلي تماما . وثانيا : انطلاق السير الفكري للذهن البشري بصورة معاكسة لما يعتقده المذهب العقلي ، فبينما كان المذهب العقلي يؤمن بأن الفكر يسير دائما من العام إلى الخاص يقرر التجريبيون انه يسير من الخاص إلى العام ، ومن حدود التجربة الضيقة إلى القوانين والقواعد الكلية ، ويترقى دائما من الحقيقة الجزئية التجريبية إلى المطلق ، وليس ما يملكه الانسان من قوانين عامة وقواعد كلية الا حصيلة التجارب ، ونتيجة هذا الارتقاء من استقراء الجزئيات إلى الكشف عن حقائق موضوعية عامة . ولأجل ذلك يعتمد المذهب التجريبي على الطريقة الاستقرائية في الاستدلال والتفكير لأنها طريقة الصعود من الجزئي إلى الكلي ، ويرفض مبدأ الاستدلال القياسي الذي يسير فيه الفكر من العام إلى الخاص كما في الشكل الآتي من القياس : ( كل انسان فان ومحمد انسان ) ف ( محمد فان ) . ويستند هذا الرفض إلى أن هذا الشكل من الاستدلال لا يؤدي إلى معرفة جديدة في النتيجة ، مع أن أحد شروط الاستدلال هو أن يؤدي إلى نتيجة جديدة ليست محتواة في المقدمات ، واذن فالقياس بصورته المذكورة يقع في مغالطة ( المصادرة