ويسود هو المقياس الذي تتعادل في حسابه المصالح كلها . وتتوازن في مفاهيمه القيم الفردية والاجتماعية . فكيف يتم التوفيق بين المقياسين وتوحيد الميزانين ، لتعود الطبيعة الانسانية في الفرد عاملا من عوامل الخير والسعادة للمجموع . بعد ان كانت مثار المأساة والنزعة التي تتفنن في الأنانية وأشكالها ؟ ان التوفيق والتوحيد يحصل بعملية يضمنها الدين للبشرية التائهة . وتتخذ العملية أسلوبين : الأسلوب الأول : هو تركيز التفسير الواقعي للحياة ، وإشاعة فهمها في لونها الصحيح ، كمقدمة تمهيدية إلى حياة أخروية ، يكسب الانسان فيها من السعادة على مقدار ما يسعى في حياته المحدودة هذه . في سبيل تحصيل رضا الله . فالمقياس الخلقي - أو رضا الله تعالى - يضمن المصلحة الشخصية ، في نفس الوقت الذي يحقق فيه أهدافه الاجتماعية الكبرى . فالدين يأخذ بيد الانسان إلى المشاركة في إقامة المجتمع السعيد والمحافظة على قضايا العدالة فيه . التي تحقق رضا الله تعالى . لأن ذلك يدخل في حساب ربحه الشخصي ، ما دام كل عمل ونشاط في هذا الميدان يعوض عنه بأعظم العوض وأجله . فمسألة المجتمع هي مسألة الفرد أيضا ، في مفاهيم الدين عن الحياة وتفسيرها . ولا يمكن أن يحصل هذا الأسلوب من التوفيق في ظل فهم مادي للحياة . فان الفهم المادي للحياة يجعل الانسان بطبيعته لا ينظر الا إلى ميدانه الحاضر وحياته المحدودة ، على عكس التفسير الواقعي للحياة الذي يقدمه الاسلام ، فإنه يوسع من ميدان الانسان ، ويفرض عليه نظرة أعمق إلى مصالحه ومنافعه ، ويجعل من الخسارة العاجلة ربحا حقيقيا في هذه النظرة العميقة . ومن الأرباح العاجلة خسارة حقيقية في نهاية المطاف : { من عمل صالحا فلنفسه ومن أساء فعليها } . { ومن عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فأولئك يدخلون الجنة يرزقون فيها بغير حساب } .