لان الاسلام يختلف في طريقته المنطقية ، واقتصاده السياسي ، وفلسفته الاجتماعية . . . عن مفاهيم هذا الزعم وطريقته الجدلية - كما أوضحنا ذلك في كتابي ( اقتصادنا ) ويضمن وضع الملكية الفردية في تصميم اجتماعي . خال من تلك التناقضات المزعومة . بل ان مرد الفشل والوضع الفاجع ، الذي منيت به الديمقراطية الرأسمالية في عقيدة الاسلام إلى مفاهيمها المادية الخالصة ، التي لا يمكن ان يسعد البشر بنظام يستوحي جوهره منها ، ويستمد خطوطه العامة من روحها وتوجيهها . فلا بد اذن من معين آخر - غير المفاهيم المادية عن الكون - يستقي منه النظام الاجتماعي ، ولابد من وعي سياسي صحيح ينبثق عن مفاهيم حقيقية للحياة ، ويتبنى القضية الانسانية الكبرى ، ويسعى إلى تحقيقها على قاعدة تلك المفاهيم . ويدرس مسائل العالم من هذه الزاوية ، وعند اكتمال هذا الوعي السياسي في العالم ، واكتساحه لكل وعي سياسي آخر ، وغزوه لكل مفهوم للحياة لا يندمج بقاعدته الرئيسية . . يمكن ان يدخل العالم في حياة جديدة ، مشرقة بالنور عامرة بالسعادة . ان هذا الوعي السياسي العميق هو رسالة الاسلام الحقيقي في العالم وان هذه الرسالة المنقذة لهي رسالة الاسلام الخالدة ، التي استمدت نظامها الاجتماعي - المختلف عن كل ما عرضناه من أنظمة - من قاعدة فكرية جديدة للحياة والكون . وقد أوجد الاسلام تلك القاعدة الفكرية النظرة الصحيحة للانسان إلى حياته ، فجعله يؤمن بأن حياته منبثقة عن مبدأ مطلق الكمال ، وانها اعداد للانسان إلى عالم لا عناء فيه ولا شقاء ، ونصب له مقياسا خلقيا جديدا في كل خطواته وأدواره . وهو : رضا الله تعالى . فليس كل ما تفرضه المصلحة الشخصية فهو جائز ، وكل ما يؤدي إلى خسارة شخصية فهو محرم وغير مستساغ . . . بل الهدف الذي رسمه الاسلام للانسان في حياته هو الرضا الإلهي ، والمقياس الخلقي الذي توزن به جميع الأعمال انما هو مقدار ما يحصل بها من هذا الهدف المقدس ، والانسان المستقيم هو الانسان الذي يحقق هذا