مجرد صهر الخبرات الحسية والتركيب بينها ، بل لها طبيعة التنظيم العقلي الدينامي السائر طبق قوانين معينة . ولنر الآن ، بعد ايضاح الاتجاهين السابقين ، تفسيرهما العلمي لعمليات الادراك البصري . ففي ضوء الاتجاه الارتباطي يقال ان الصورة التي تنشأ على شبكية العين للبيت مثلا ، تنتقل جزءا جزءا إلى الدماغ حيث توجد في جزء محدد منه ، صورة مماثلة للصورة الحادثة على شبكية العين . وينشط العقل ، فيضفي على هذه الصورة في الدماغ ، من خبرته السابقة ، المعاني التي ترتبط في أذهاننا بالبيت ، طبقا لقوانين التداعي الآلية ، وينتج عن ذلك الادراك العقلي لصورة البيت . وأما في ضوء الاتجاه الشكلي أو الكلي ، فالادراك يتعلق بالأشياء بجملتها وهيئاتها العامة ، منذ الوهلة الأولى . لأن هناك صيغا وأشكالا أولية في العالم الخارجي ، تناسب صيغ العقل وأشكاله . فيمكننا ان نفسر تنظيم الحياة العقلية ، بتنظيم قوانين العالم الخارجي نفسها . لا بالتركيب والتداعي . فالجزء في الصيغة أو الكل ، انما يدرك تبعا للكل ، ويتغير تبعا لتغير الصيغة . وانما نطلق على تفسير الادراك البصري بهذا ، اسم التفسير العلمي ، لأنه يدخل في المجال التجريبي ، أو الملاحظة المنظمة . فان ادراك الصيغة وتغير الجزء تبعا لتغيرها تجريبي ، ولذلك برهنت مدرسة ( الجشطالت ) على نظريتها بالتجربة ، التي توضح ان الانسان لا يدرك الاجزاء فحسب ، بل يدرك شيئا آخر كالشكل أو النغم ، ولذلك قد تجتمع الاجزاء جميعا ، ومع ذلك لا يدرك ذلك الشكل أو النغم . فهناك اذن الصيغة ، التي تكشف الاجزاء جميعا . ولا نريد الآن ان نتوسع في شرح التفسيرات العلمية ، لعملية الادراك البصري ودراستها ، وانما نرمي _ من وراء ما قدمناه - إلى تحديد موضع التفسير الفلسفي الذي نحاوله منها . فنقول بهذا الصدد : ان الادراك العقلي للصورة المبصرة ، يثير - بعد تلك الدراسات العلمية كلها - سؤالا ، يواجهه الشكليون والارتباطيون على السواء ، وهو السؤال عن هذه الصورة التي أدركها العقل ، وتكونت طبقا لقوانين التداعي الآلي ، أو طبقا لقوانين الصيغة والشكل . فما هو كنهها ؟ وهل هي صورة مادية أو صورة