. * المفهوم الفلسفي للمادة لما كانت المسألة التي نتناولها فلسفية ، ودقيقة إلى حد ما ، يجب ان نمشي بتؤدة وهدوء ، ليتمكن القارئ من متابعة السير . ولذا فلنبدأ - أولا - بالماء والكرسي ونظائرهما ، لنعرف كيف صدقت الفلسفة ، بأنها مركبة من مادة وصورة ؟ ان الماء يتمثل في مادة سائلة ، وهو في نفس الوقت قابل لأن يكون غازا ، ومركز هذه القابلية ليس هو السيلان ، لان صفة السيلان لا يمكن أن تكون غازا . بل مركزه المادة المحتواة في الماء السائل . فهو - اذن مركب من حالة السيلان ، ومادة تتصف بتلك الحالة ، وهي قابلة للغازية أيضا . والكرسي يتمثل في خشب مصنوع على هيئة خاصة ، وهو يقبل أن يكون منضدة ، وليست هيئة الكرسي هي التي تقبل ان تكون منضدة ، بل المادة . فعرفنا من ذلك ان الكرسي مركب من هيئة معينة ، ومادة خشبية تصلح لان تكون منضدة ، كما صلحت لان تكون كرسيا وهكذا في كل مجال ، إذا لوحظ ان الكائن الخاص قابل للاتصاف ، بنقيض صفته الخاصة ، فان الفلسفة تبرهن بذلك ، على ان له مادة ، وهي التي تقبل للاتصاف بنقيض تلك الصفة الخاصة . ولنأخذ مسألتنا على هذا الضوء . فقد عرفنا ان العلم يوضح ان الجسم ليس شيئا واحدا ، بل هو مركب من وحدات أساسية ، تسبح في فراغ . وهذه الوحدات باعتبارها الوحدات الأخيرة ، في التحليل العلمي ، فهي بدورها ليست مركبة من ذرات أصغر منها ، والا لم تكن الوحدات النهائية للمادة . وهذا صحيح ، فالفلسفة تعطي للعلم حريته الكاملة ، في تعيين الوحدات النهائية ، التي لا يتخللها فراغ ولا تحتوي على أجزاء . وحينما يعين العلم تلك الوحدات ، يجيء دور الفلسفة ، فتبرهن على أنها مركبة من صورة ومادة أبسط . فنحن لا نتصور وحدة مادية من دون اتصال ، لأنها لو لم تكن متصلة اتصالا حقيقيا ، لكانت محتوية على فراغ تتخلله أجزاء ، كالجسم . فمعنى الوحدة هي ان تكون متصلة ، فلا تكون وحدة حقيقية بلا اتصال ،