* مع التجريبيين ولنقف قليلا ، عند أولئك الذين يقدسون التجربة والحس العلمي ، ويعلنون بكل صلف ، اننا لا نؤمن بأي فكرة ، ما لم تثبت بالتجربة ، ولم يبرهن عليها عن طريق الحس . وما دامت المسألة الإلهية مسألة غيبية ، وراء حدود الحس والتجربة ، فيجب ان نطرحها جانبا ، وننصرف إلى ما يمكن الظفر به في الميدان التجريبي ، من حقائق ومعارف . . . نقف عندهم لنسألهم ، ماذا تريدون بالتجربة ؟ وماذا تعنون برفض كل عقيدة لا برهان عليها من الحس ؟ فان كل فحوى هذا الكلام ، انهم لا يؤمنون بوجود شيء ، ما لم يحسوا بوجوده احساسا مباشرا ، ويرفضون كل فكرة ما لم يدركوا واقعها الموضوعي ، بأحد حواسهم ، فقد نسفوا بذلك الكيان العلمي كله . وأبطلوا جميع الحقائق الكبرى ، المبرهن عليها بالتجربة التي يقدسونها . فان اثبات حقيقة علمية بالتجربة ليس معناه الاحساس المباشر بتلك الحقيقة . في الميدان التجريبي . ف ( نيوتن ) - مثلا - حين وضع قانون الجاذبية العامة ، على ضوء التجربة ، لم يكن قد أحس بتلك القوة الجاذبية . بشيء من حواسه الخمس ، وانما استكشفها عن طريق ظاهرة أخرى محسوسة ، لم يجد لها تفسيرا الا بافتراض وجود القوة الجاذبة . فقد رأى ان السيارات لا تسير في خط مستقيم ، بل تدور دورانا ، وهذه الظاهرة لا يمكن أن تتم - في نظر نيوتن - لو لم تكن هناك قوة جاذبة ، لان مبدأ القصور الذاتي يقضي بسير الجسم المتحرك ، في اتجاه مستقيم ، ما لم يفرض عليه أسلوب آخر من قوة خارجية . فانتهى من ذلك إلى قانون الجاذبية ، الذي يقرر ان السيارات تخضع لقوة مركزية . هي الجاذبية . وان كان يعني هؤلاء ، الذين ينادون بالتجربة ويقدسونها ، نفس الأسلوب الذي تم به علميا استكشاف قوى الكون وأسراره ، وهو درس ظاهرة محسوسة ثابتة بالتجربة ، واستنتاج شيء آخر منها استنتاجا عقليا ، باعتبار التفسير الوحيد لوجودها . فهذا هو أسلوب الاستدلال على المسألة