تختلف به عن الأخرى ، وهذا الاختلاف بينهما ، مظهر لاختلاف فلسفي أعمق ، حول الماهية والوجود ، وحيث أن حدود هذا الكتاب . لا تسمح بالتحدث عن ذلك الاختلاف ، وتمحيصه ، فسوف نقتصر على نظرية الامكان الوجودي في مسألتنا ، نظرا إلى ارتكازها على الرأي القائل بأصالة الوجود ( أي الرأي الصحيح في الاختلاف الفلسفي الأعمق الذي أشرنا اليه ) . ونظرية الامكان الوجودي ، هي للفيلسوف الاسلامي الكبير ( صدر الدين الشيرازي ) وقد انطلق فيها من تحليل مبدأ العلية نفسه ، وخرج من تحليله ظافرا بالسر ، فلم يكلفه الظفر بالسبب الحقيقي لحاجة الأشياء إلى عللها ، أكثر من فهم مبدأ العلية ، فهما فلسفيا عميقا . والآن نبدأ كما بدأ ، فنتناول العلية بالدرس والتمحيص . لا شك في أن العلية علاقة قائمة بين وجودين : العلة ، والمعلول . فهي لون من ألوان الارتباط بين شيئين . وللارتباط ألوان وضروب شتى ، فالرسام مرتبط باللوحة التي يرسم عليها ، والكاتب مرتبط بالقلم الذي يكتب به ، والمطالع مرتبط بالكتاب الذي يقرأ فيه ، والأسد مرتبط بسلسلة الحديد التي تطوق عنقه ، وهكذا سائر العلاقات والارتباطات بين الأشياء . ولكن شيئا واضحا يبدو بجلاء ، في كل ما قدمناه من الأمثلة للارتباط ، وهو ان لكل من الشيئين المرتبطين وجودا خاصا ، سابقا على ارتباطه بالآخر . فاللوحة والرسام كلاهما موجودان ، قبل أن توجد عملية الرسم ، والكاتب والقلم موجودان ، قبل ان يرتبط أحدهما بالآخر ، والمطالع والكتاب كذلك وجدا بصورة مستقلة ، ثم عرض لهما الارتباط . فالارتباط في جميع هذه الأمثلة علاقة تعرض للشيئين بصورة متأخرة عن وجودهما ، ولذلك فهو شيء ووجودهما شيء آخر ، فليست اللوحة في حقيقتها ارتباطا بالرسام ، ولا الرسام في حقيقته مجرد ارتباط باللوحة ، بل الارتباط صفة توجد لهما بعد وجود كل منهما بصورة مستقلة . وهذه المفارقة بين حقيقة الارتباط ، والكيان المستقل لكل من الشيئين المرتبطين ، تتجلى في كل أنواع الارتباط ، باستثناء نوع واحد ، وهو ارتباط شيئين برباط العلية . فلو أن ( ب ) ارتبط ب ( أ ) ، ارتباطا سببيا ، وكان معلولا