بين المتناقضات ، ثم يأتلف النقيضان في وحدة ، وتصبح هذه الوحدة بدورها أصلا ونقطة انطلاق جديد . وهكذا يتكرر هذا التطور الثلاثي تطورا لا نهاية له ولا حد ، يتسلسل مع الوجود ، ويمتد ما امتدت ظواهره وحوادثه . وقد بدأ هيجل بالمفاهيم والمقولات العامة ، فطبق عليها الديالكتيك ، واستنبطها بطريقة جدلية قائمة على التناقض ، المتمثل في الأطروحة ، والطباق ، والتركيب . وأشهر ثواليثه في هذا المجال وأولها هو : الثالوث الذي يبدأ من أبسط تلك المفاهيم وأعمقها . وهو مفهوم الوجود . فالوجود موجود . وهذا هو الاثبات أو الأطروحة ، بيد أنه ليس شيئا ، لأنه قابل لأن يكون كل شيء . فالدائرة وجود . والمربع ، والأبيض ، والأسود ، والنبات ، والحجر ، كل هذا هو موجود . فليس اذن شيئا محددا ، وهو بالتالي ليس موجودا ، وهذا هو الطباق الذي أثارته الأطروحة ، وهكذا حصل التناقض في مفهوم الوجود ، ويحل هذا التناقض في التركيب بين الوجود واللاوجود . الذي ينتج موجودا لا يوجد على التمام . أي صيرورة وحركة ، وهكذا ينتج ان الوجود الحق هو الصيرورة . هذا مثال سقناه لنوضح كيف يتسلسل أبو الجدل الحديث في استنباط المفاهيم العامة . من الأعم إلى الأخص ، ومن الأكثر خواء وضعفا ، إلى الأكثر ثراء والأقرب إلى الواقع الخارجي . وليس هذا الجدل في استنباط المفاهيم عنده الا انعاكسا لجدل الأشياء بذاتها في الواقع ، فإذا استثارت فكرة من الأفكار فكرة مقابلة لها ، فلان الواقع الذي تمثله هذه الفكرة يتطلب الواقع المضاد . ونظرة بسيطة على الأطروحة ، والطباق والتركيب في قضية الوجود ، التي هي أشهر ثواليثه ، تدلنا بوضوح على أن هيجل لم يفهم مبدأ عدم التناقض حق الفهم حين ألغاه ووضع موضعه مبدأ التناقض . ولا أدري كيف يستطيع هيجل أن يشرح لنا التناقض ، أو النفي والاثبات ، المجتمعين في مفهوم الوجود ؟ ان مفهوم الوجود مفهوم عام دون شك ، وهو لذلك قابل لأن يكون كل شيء ، قابل لان يكون نباتا أو جمادا ، أبيض أو أسود ، دائرة أو