والطبيعة ، ويرجع الروح والمادة معا إلى سبب أعمق فوقهما جميعا . الثاني : ما اتهم به بعض الكتاب المفهوم الإلهي ، من أنه يجمد مبدأ العلمية في دنيا الطبيعة ، ويلغي قوانينها ونواميسها التي يكشفها العلم وتزداد وضوحا يوما بعد يوم ، فهو في زعمهم يربط كل ظاهرة وكل وجود بالمبدأ الإلهي . ولقد لعب هذا الاتهام دورا فعالا في الفلسفة المادية ، حيث اعتبرت فكرة الله هي فكرة ، وضع سبب المعقول لما يشاهده من ظواهر الطبيعة وحوادثها . ومحاولة لتبرير وجودها ، فتزول الحاجة إليها تماما حين نستطيع أن نستكشف بالعلم والتجارب العلمية حقيقة الأسباب . والقوانين الكونية التي تتحكم في العالم ، وتتولد باعتبارها الظواهر والحوادث . وساعد على تركيز هذا الاتهام ما كانت تلعبه الكنيسة في بداية النهضة العلمية في أوروبا . من أدوار خبيثة في محاربة التطور العلمي ، ومعارضة ما يكشفه العلم من أسرار الطبيعة ونواميسها . والحقيقة : ان المفهوم الإلهي للعالم لا يعني الاستغناء عن الأسباب الطبيعية ، أو التمرد على شيء من حقائق العلم الصحيح وانما هو المفهوم الذي يعتبر الله سببا أعمق ، ويحتم على تسلسل العلل والأسباب ان يتصاعد إلى قوة فوق الطبيعة والمادة . وبهذا يزول التعارض بينه وبين كل حقيقة علمية تماما ، لأنه يطلق للعلم أوسع مجال لاستكشاف أسرار الطبيعة ونظامها ، ويحتفظ لنفسه بالتفسير الإلهي في نهاية المطاف ، وهو وضع السبب الأعمق في مبدأ أعلى من الطبيعة والمادة . فليست المسألة الإلهية كما يشاء أن يصورها خصومها ، مسألة أصابع تمتد من وراء الغيب . , فتقطر الماء في الفضاء تقطيرا ، أو تحجب الشمس عنا ، أو تحول بيننا وبين القمر ، فيوجد بذلك المطر والكسوف والخسوف ، فإذا كشف العلم عن أسباب المطر وعوامل التبخير فيه ، وإذا كشف عن سبب الكسوف وعرفنا ان الاجرام السماوية ليست متساوية الابعاد عن الأرض ، وان القمر أقرب إليها من الشمس ، فيتفق أن يمر القمر بين الأرض والشمس فيحجب نورها عنا ، وإذا كشف العلم عهن سبب الخسوف وهو وقوع القمر في ظل الأرض ، الذي يمتد وراءها إلى مسافة