العلوم الطبيعية ، وان كانت بحاجة إلى ادراك فطري يقوم على أساسه الاستنتاج العلمي من التجربة ، ولكن هذا الادراك الفطري ليس ذاتيا خالصا بل هو انعكاس فطري لقانون موضوعي مستقل عن حدود الشعور والادراك . فمعرفتنا بأن الحرارة سبب لتمدد الفلزات تستند إلى ادراك حسي تجريبي للحرارة والتمدد ، وادراك عقلي ضروري لمبدأ العلية ، وكل من الادراكين يعكس واقعا موضوعيا ، وقد نتجت معرفتنا بتمديد الحرارة للفلزات عن معرفتنا بالواقعين الموضوعين لذينك الادراكين ، فليس ما يطلق عليه ( كانت ) اسم الصورة ، صورة عقلية خالصة للعلم ، بل هو علم يتمتع بخصائص العلم من الكشف الذاتي وانعكاس واقع مستقل فيه . وإذا عرفنا ان العقل يملك بصورة فطرية علوما ضرورية بعدة قوانين وحقائق موضوعية ، صار باستطاعتنا أن نبني قضايا الميتافيزيقا على أساس فلسفي بدراستها على ضوء تلك العلوم الضرورية ، لأنها ليست مجرد روابط خالصة بل هي معارف أولية وفي امكانها ان تنتج للفكر البشري علوما جديدة . ب - النسبية الذاتية : يجيء بعد ( كانت ) دور النسبيين الذاتيين . وهم الذين يؤكدون على الطابع النسبي في جميع الحقائق التي تبدو للانسان ، باعتبار الدور الذي يلعبه عقل كل فرد في عملية اكتسابه لتلك الحقائق . فليست الحقيقة - في هذا المفهوم الجديد - الا الامر الذي تقتضيه ظروف الادراك وشرائطه . ولما كانت هذه الظروف والشرائط تختلف في الافراد والحالات المتنوعة . كانت الحقيقة في كل مجال حقيقة بالنسبة إلى ذلك المجال الخاص بما ينطوي عليه من ظروف وشرائط . وليست الحقيقة هي مطابقة الفكرة للواقع لتكون مطلقة بالنسبة إلى جميع الأحوال والاشخاص . وهذه النسبية وان كانت تحمل شعار الحقيقة ، ولكنه شعار مزيف ، فليست هي كما يبدو بكل وضوح الا مذهبا من مذاهب الشك والريب في كل واقع موضوعي .