الأولى ، الرياضيات . والاحكام العقلية فيها كلها أحكام تركيبية أولية سابقة على التجربة ، لأنها تعالج موضوعات فطرية في النفس البشرية ، فالهندسة تختص بالمكان ، والحساب موضوعه هو العدد ، والعدد عبارة عن تكرار الوحدة ، والتكرار معناه التعاقب والتتابع ، وهذا هو الزمن في مفهومه الفلسفي عند ( كانت ) . واذن فالقطبان الرئيسيان اللذان تدور حولهما المبادئ الرياضية هما المكان والزمان . والمكان والزمان في رأي ( كانت ) صورتان فطريتان في الحساسية الصورية للانسان ، أي أن صورتيهما موجودتان في الحس الصوري بصورة مستقلة عن التجربة ، وينتج من ذلك أن كل ما نعزوه للأشياء من أحكام متعلقة بمكانها أو زمانها فهو مستمد من فطرتنا ، ولم نعتمد فيه على ما أتانا من الخارج بواسطة الحس . وعلى ذلك فكل القضايا الرياضية مشتقة من طبائع عقولنا ، بمعنى أننا نحن خلقناها بأنفسنا ولم نستوردها من الخارج ، إذ هي تدور حول الزمان والمكان الفطريين . وبهذا تصبح الرياضة والمبادئ الرياضية ممكنة المعرفة ، وتصبح الحقائق الرياضية حقائق يقينية مطلقة