الانكار ، فانبثقت عند ذلك فكرة الشك التي أعلنت عن ( لا أدرية ) مطلقة ، وحاولت تبرير ذلك باظهار تناقضات الحواس وتضارب الأفكار الذي يسلب عنها صفة الوثوق العلمي ، فكانت تخفيفا للسفسطة . وكذلك الأمر في الشكية الحديثة ، فان أصحابها حاولوا تقديمها كحل للتناقض القائم بين المثالية والواقعية . ان صح ان يعتبر الاستسلام إلى الشك حلا لهذا التناقض وكانت بسبب ذلك صورة مخففة عن المثالية . ولم تعتمد الشكية الحديثة على اظهار تناقضات الاحساس والادراك فحسب ، بل على تحليل المعرفة الذي يؤدي إلى الشك في زعمها . فقد كان ( دافيد هيوم ) الذي بشر بفلسفة الشك على أثر فلسفة ( باركلي ) يرى ان التأكد من القيم الموضوعية للمعرفة البشرية أمر غير ميسور ، لأن أداة المعرفة البشرية هي الذهن أو الفكر ، ولا يمكن أن يحضر في الذهن سوى ادراكات ، ومن الممتنع ان نتصور أو نكوّن معنى شيء يختلف عن التصورات والانفعالات ، فلنوجه انتباهنا إلى الخارج ما استطعنا ولتثب مخيلتنا إلى السماوات أو إلى أقاصي الكون فلن نخطو أبدا خطوة إلى ما بعد أنفسنا . ولهذا فلا يمكن أن نجيب على المسألة الأساسية في الفلسفة التي يتصارع عندها المثاليون والواقعيون . فالمثالية تزعم ان الواقع قائم في الشعور والادراك ، والواقعية تؤكد على أنه موجود بصورة موضوعية مستقلة . والشكية ترفض ان تجيب على المسألة لأن الرد عليها مستحيل فلترجأ المسألة إلى الأبد . والواقع أن ( دافيد هيوم ) لم يزد على حجج ( باركلي ) شيئا ، وان زاد عليه في الشك والعبث بالحقائق ، فلم يقف في شكيته عند المادة الخارجية ، بل أطاح بالحقيقتين اللتين احتفظ بهما ( باركلي ) في فلسفته - وهما النفس والله - تمشيا مع المبدأ الحسي إلى النهاية ، فقد اتخذ لذلك نفس أسلوب باركلي وطريقته ، فكما ان الجوهر المادي لم يكن في رأي باركلي الا مجموعة من الظواهر المركبة تركيبا صناعيا في الذهن ، كذلك النفس ما هي الا جملة من الظواهر الباطنية وعلاقاتها ، ولا يمكن اثبات ( الأنا ) - النفس - بالشعور ، لأنني حين انفذ إلى صميم ما اسميه ( أنا ) أقع على ظاهرة جزئية ، فلو ذابت الادراكات جميعا لم يبق شيء أستطيع أن اسميه ( أنا ) .