فالفيلسوف الإلهي الذي يؤمن بما وراء الطبيعة يقول نفس الكلمة تماما عن العالم . فالعالم عنده واقع موضوعي مستقل عن وعينا ، وليس المبدأ الإلهي الذي تعتقد به الفلسفة الميتافيزيقية الا واقعا موضوعيا مستقلا عن وعينا . والحقيقة ان التلاعب بالألفاظ لا يجدي شيئا ، فتوسعة المفهوم المادي إلى حد ينطبق على المفهوم المعارض له وينسجم معه لا يعني الا تخليه عن واقعه الفلسفي الخاص ، وعجزه عن الرد على ما يعارضه من مفاهيم . أضف إلى ذلك ان المادية الجدلية لا تسمح للينين ان يعترف بحقيقة مطلقة ، لأن ذلك يتنافى مع الجدل القائل بتطور جميع الحقائق طبقا للتناقضات المحتواة فيها . فهل الخاصة الأساسية للمادة في مفهومها اللينيني الجديد خاصة مطلقة لا تتطور ولا تخضع لقانون الجدل وتناقضاته ، فان كانت كذلك فقد وجدت اذن الحقيقة المطلقة التي يرفضها الديالكتيك ولا يقرها أصول الجدل الماركسي . وان كانت هذه الخاصة خاصة جدلية ومحتوية على التناقضات الدافعة لها إلى التطور والتغير كسائر حقائق العالم ، فمعنى ذلك أن المادية تشكو هي أيضا من التناقض وتضطر لأجل ذلك إلى التغير والتبدل ونزع الصفة الأساسية للمادة عنها . والنتيجة التي نخرج بها هي ان النزعة المثالية عند الفيزيائيين نشأت عن عدم التمييز بين المسألتين الفلسفيتين اللتين شرحناهما ، وليست وليدة الأدلة العلمية بصورة مباشرة . ومع هذا فيجب أن نشير إلى عامر آخر لعب دورا مهما في زعزعة يقين العلماء بالواقع الموضوعي ، وهو انهيار المسلمات العلمية في الميدان العلمي الحديث ، فبينما كانت تعتبر تلك المسلمات حقائق قاطعة لا تقبل الشك استطاع العلم أن يزيفها ويبرهن على خطأها فذابت ، في لحظة ذرات ( جون دالتون ) وتزعزع قانون عدم فناء المادة ، ودللت التجارب على أن المادة وهم عاش فيه البشر آلاف السنين ، فكان رد الفعل لذلك أن ثار الشك من جديد وطغى على أفكار عدة من العلماء ، فإذا كانت مسلمات العلم بالأمس أخطاء اليوم فلماذا لا يجوز لنا ان نرتاب في كل حقيقة مهما بدت لنا واضحة ، ولماذا