المادة وصفاتها أولا ؟ وهذا السؤال انما يتجه إلى الواقعية ولا مجال له على أساس المفهوم المثالي . ويجيب بعض الواقعيين عن هذا السؤال باعطاء المفهوم المادي للواقع الموضوعي المستقل ، ويجيب الآخرون باعطاء مفاهيم أخرى ، وللعلم في هذه الإجابات كلمته ، فالتجارب والكشوف العلمية هي التي تكون المفهوم العلمي للواقعيين عن العالم الموضوعي . فإذا أبطل العلم المفهوم المادي للعالم فهو لا يعني ان العلم رفض الواقعية وصار مثاليا ، لان الكشف العلمي لم يبرهن على عدم وجود الواقع الموضوعي المستقل ، وانما دلل على عدم لزوم الصفة المادية له . فليكن مرد العالم إلى القوة أو إلى الحركة أو إلى أي شيء آخر غير المادة ، فان ذلك لا يضر بالواقعية ولا يبرهن على المثالية ما دام لذلك الشيء واقع موضوعي موجود بصورة مستقلة عن الذهن والشعور ، فالمادة إذا تبخرت كهرباء على ضوء العلم ، والكتلة إذا تحولت إلى طاقة والطاقة إذا تحولت إلى كتلة ، والطبيعة إذا كانت تعبر عن حركة خالية من المادة ، إذا صح ذلك كله فلن يغير ذلك من موقفنا تجاه السؤال الأول ، شيئا ، لأننا نؤمن على كل تقدير بأن الحقيقة ليست نتاج الشعور فحسب ، بل هي وليدة الواقع المستقل . وانما يكون لهذه النظريات العلمية تأثير إذا فرغنا عن الإجابة على السؤال الأول ، وتناولنا السؤال الثاني لنعرف كيف هو العالم ؟ وبهذا نعرف ان كشوف العلم الحديث لا ترد على الواقعية بشيء ، وانما ترد على المادية التي تزعم ان المادية هي الوصف اللازم لذلك الواقع بصورة عامة . ومن الغريب محاولة بعض الماديين الاحتفاظ للمادية بمقامها ، والرد على البراهين العلمية والتجريبية بأنها لا تبرهن على سلب الصفة المادية عن العالم ، وانما تكون سببا في تعمق فهمنا للمادة وخصائصها . قال لينين : ( ( ان تلاشي المادة يعين ان الحد الذي وصلت اليه معرفتنا بالمادة يتلاشى ، وان وعينا يتعمق ، فثمة خصائص للمادة