نعم إن الطابع العام للصلاة هو التكلم مع النفس بين يدي الله لا التكلم مع الله . وهو أمر يستحق الوقوف . صحيح أنه يستحب في الصلاة الدعاء ومخاطبة الله عز وجل ، ولكن قوام الصلاة هو بتلاواتها الواجبة من التكبير والتحميد والتوحيد والتهليل التشهد . وجميعها حقائق عن الله عز وجل وصلته بالوجود يقوم المصلي بتقريرها في نفسه بين يدي الله دن مخاطبته بها . فلماذا غلب هذا الطابع على الصلاة ؟ . لماذا لا نقول في الصلاة بدل الله أكبر : اللهم أنت أكبر ، ولماذا لا نقرأ : باسمك اللهم ، والحمد لك يا رب العالمين ، أو نقول في الركوع : سبحانك ربي العظيم وبحمدك ، وفي الجلوس : اللهم أشهد ألا إله إلا أنت ، وحدك لا شريك لك . ؟ يبدو معقولا أن تكون الصلاة كلها استغراقا في التكلم مع الله كما تري في بعض الصلوات غير الإسلامية . لكن الإسلام يخطئ هذه الطريقة في الصلاة ويراها غير عملية . لعدة أسباب ترجع إلى أصلين يقوم عليهما تشريعه للصلاة وتشريعاته في كل مجال : الأصل الأول : أن هدف التشريع الإسلامي هو الإنسان وليس الله ، هدفه تربية هذا الإنسان وضمان استقامته في طريق تكامله . ماذا يصنع الله بصلاة الإنسان وصومه واعترافه بألوهيته وأنبيائه واليوم الآخر ، لو لم يكن ذلك ضرورة لازمة لوجود هذا الكائن . يقول عز وجل ( ولو شاء الله لجعل الناس أمة واحدة ، ولا يزالون مختلفين إلا من رحم ربك . ولذلك خلقتهم ) 118 هود ، خلقهم للرحمة ، لمجرد الاستفادة من عطائه في تكاملهم . أما قوله تعالى : ( وما خلقت الجن والأنس إلا ليعبدون ) 56 الذاريات ، فهو بمثابة قوله : ما خلقتهم إلا ليتكاملوا بإطاعتي ، لأن إطاعته عز وجل هي الطريق الوحيد للتكامل ، كما تقول إنما تعلمت لكي أعمل . مع أن العمل طريق وليس هدفا .