جميع ما آتيت به كرماد اشتدت به الريح في يوم عاصف . أما قولك : إن الله تعالى ذكر النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وذكر أبا بكر فجعله ثانيه ، فهو إخبار عن العدد . لعمري لقد كانا اثنين ، فما في ذلك من الفضل ؟ ونحن نعلم ضرورة أن مؤمنا ومؤمنا ، أو مؤمنا وكافرا اثنان ، فما أرى لك في ذلك العدد طائلا تعتمده . وأما قولك إنه وصفهما بالاجتماع في المكان فإنه كالأول لأن المكان يجمع المؤمن والكافر ، كما يجمع العدد المؤمنين والكفار ، وأيضا فإن مسجد النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) أشرف من الغار ، وقد جمع المؤمنين والمنافقين والكفار ، وفي ذلك قوله عز وجل ( فما للذين كفروا قبلك مهطعين ، عن اليمين وعن الشمال عزين ) [1] . وأيضا فإن سفينة نوح قد جمعت النبي والشيطان ، والبهيمة والكلب . والمكان لا يدل على ما أوجبت من الفضيلة فبطل فضلان . وأما قولك إنه أضافه إليه بذكر الصحبة فهو أضعف من الفضلين الأولين لأن اسم الصحبة يجمع بين المؤمن والكافر ، والدليل على ذلك قوله تعالى ( قال له صاحبه وهو يحاوره أكفرت بالذي خلقك من تراب ثم من نطفة ، ثم سواك رجلا ) [2] . وأيضا فإن اسم الصحبة تطلق بين العاقل والبهيمة ، والدليل على ذلك من كلام العرب الذي نزل القرآن بلسانهم فقال الله عز وجل ( وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه ) [3] إنهم سموا الحمار صاحبا فقالوا : إن الحمار مع الحمار مطية * فإذا خلوت به فبئس الصاحب وأيضا قد سموا الجماد مع الحي صاحبا قالوا ذلك في السيف شعرا : زرت هندا وذاك بعد اختيان * ومعي صاحب كتوم اللسان يعني السيف ، فإذا كان اسم الصحبة يقع بين المؤمن والكافر وبين العاقل والبهيمة .
[1] سورة المعارج آية 36 . [2] سورة الكهف آية 37 . [3] سورة إبراهيم آية 4 .