الجواب عن الثالث : إن تلبسهم بتلك الخصال الكريمة وإن كان لنفع البشر ، إلا أن الناس إذا انصرفوا عن نور الحق ، وتسكعوا في وهدة الباطل ، بسوء الاختيار منهم فأي تقصير يكون لمن تقمص بذلك الخلق الكريم ، إذا لم يجد مساغا لإظهار علمه ، وإبراز ما يحمل من الهدى والرشاد . . . ؟ ولو صح مثل هذا النقض لبطلت النبوات والشرائع ، لصفح الناس عن أولئك الهداة ، وإعراضهم عن هاتيك الأحكام الإلهية . بل لبطل خلق الخلق ، لأنهم لم يعرفوا الحق كما يحق ولم يعبدوه كما يجب . نعم ! لو ثنيت الوسادة لأولئك المرشدين لعرفت الناس منازلهم حقا ولظهرت آثارهم واضحة . ولكن كيف يمكنهم أن يعلنوا بما تضم جوانحهم ، والناس مصرة على الأعراض عنهم ، وعدم الاهتداء بنورهم والانتفاع بعلمهم بل والسيوف مجردة فوق رؤوسهم ، إن فاه أحدهم بمكنون علمه ، أو أظهر كرامة ، أو أقام حجة ، لم يجد ما يشيم عنه ذلك الصارم ، أو يقف دون حده . حتى أن الباقر عليه السلام قال : ( لو كانت لألسنتكم أوكية لحدثت كل امرئ بما له وعليه . . . . وحتى قال الصادق عليه السلام لمؤمن الطاق : ( يا بن النعمان إن العالم لا يقدر أن يخبرك بكل ما يعلم . . . ) إلى كثير من أمثال هذا .