وهذا ما أوصى به النبيّ عيسى بن مريم أصحابه كما ورد عن يونس بن عبد الرحمن عن أبي عبد الله الصادق عليه السلام قال : « قام عيسى بن مريم عليه السلام خطيباً في بني إسرائيل فقال : يا بني إسرائيل لا تحدّثوا الجهّال بالحكمة فتظلموها ، ولا تمنعوها أهلها فتظلموهم » [1] . لذا علّق المازندراني على هذا الكلام بقوله : « إذا تأمّلت بمضمون هذا الكلام علمت أنّ أكثر الناس حريّ بكتمان الحكمة عنه ، وكذلك كتَمَها جميعُ الأئمّة والأنبياء عليهم السلام ، كما يظهر لمن تفكّر في آثارهم ، وقال بعض الأكابر - ونِعْمَ ما قال - : صدور الأبرار قبور الأسرار . ولعلّ السبب في ذلك يعود إلى أنّ العقول متفاوتة تفاوتاً فاحشاً في الضياء واستعداد العلوم وقبولها ; فبعضها لا يكون له نور واستعداد للعلوم أصلاً ، وبعضها له استعداد لبعض العلوم دون بعض ، وبعضها له استعداد إلى حدّ لا إلى ما فوقه من اللطايف والدقايق ، وبعضها له استعداد لجميع العلوم وما فيه من الدقّة والغموض . والمعلّم الحكيم ينبغي أن يراعي حال العقول وتفاوت مراتبها ، ويمنع العلم من يستحقّ المنع ، ويعلّمه من يستحقّ التعليم ، ويضع كلّ عقل في موضعه ولا يتجاوز عنه لئلاّ يورده مورد الهلكة » [2] . لذا قال ابن مسعود : « ما أنت بمحدِّث قوماً حديثاً لا تبلغه عقولهم إلاّ كان لبعضهم فتنة » [3] .
[1] الأصول من الكافي : ج 1 ص 42 ، كتاب فضل العلم ، باب بذل العلم ، الحديث : 4 . [2] شرح الأصول والروضة ، المازندراني : ج 1 ص 138 . [3] صحيح مسلم : ص 23 ، مقدّمة مسلم ، باب وجوب الرواية عن الثقات وترك الكذّابين .