وقوله صلّى الله عليه وآله « نكلّم » ولم يقل : نقول أو نبيّن أو نذكر ونحو ذلك ، يدلّ على أنّ المعارف التي يبيّنها الأنبياء عليهم السلام إنّما وقع بيانها على قدر عقول أُممهم ، ميلاً من الصعب إلى السهل ، لا أنّه اقتصر بهذا المقدار من المعارف الكثيرة ، إرفاقاً بالعقول ، اقتصاراً من المجموع بالبعض . وبعبارة أخرى : التعبير ناظر إلى الكيف دون الكمّ ، فيدلّ على أنّ هذه المعارف حقيقتها التي هي عليها ، وراء هذه العقول التي تسير في المعارف بالبرهان والجدل والخطابة ، وقد بيّنها الأنبياء بجميع طرق العقول من البرهان والجدل والوعظ كلّ البيان ، وقطعوا في شرحها كلّ طريق ممكن . ومن هنا يعلم أنّ لها مرتبة فوق مرتبة البيان اللّفظي ، لو نزّلت إلى مرتبة البيان اللفظي دفعتها العقول العاديّة ، وهذا معناه أنّ نحو إدراك هذه المعارف بحقائقها غير إدراك العقول ، وهو الإدراك الفكري ، فافهم ذلك » [1] . من هنا جاءت الروايات لتبيّن درجات خواصّ أصحاب النبيّ صلّى الله عليه وآله وتلامذة أئمّة أهل البيت عليهم السلام . ما ورد عن أبي بصير عن أبي عبد الله الصادق عليه السلام قال : « قال رسول الله صلّى الله عليه وآله لسلمان : يا سلمان لو عرض علمك على المقداد لكفر » [2] . عن مسعدة بن صدقة عن أبي عبد الله الصادق عليه السلام قال : ذكرت التقيّة يوماً عند عليّ بن الحسين عليهما السلام فقال : « والله لو علم أبو ذرّ
[1] رسالة الولاية ، تتمّة الفصل الأوّل : ص 208 . [2] الاختصاص ، تأليف : فخر الشيعة محمّد بن محمّد بن النعمان العكبري البغدادي الملقّب بالشيخ المفيد ، صحّحه وعلّق عليه : علي أكبر الغفاري ، رتّب فهارسه : السيّد محمود الزرندي ، منشورات جماعة المدرّسين في الحوزة العلميّة بقم : ص 11 .