الاستدلالات العقليّة ، ( وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ لَدَيْنَا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ ) ( الزخرف : 4 ) ، كذلك المعارف والبيانات التي ألقاها أهل البيت عليهم السلام للناس ، لها مرتبة من الوجود وراء العقول التي تسير بالبرهان والجدل والخطابة ، أي أنّ لها مرتبة فوق مرتبة البيان اللفظي ، بحيث لو نزلت إلى هذه المرتبة لدفعتها بعض العقول العادية التي لا تحتملها ، إمّا لكونها خلاف الضرورة عند هؤلاء ، أو لكونها منافية للبيان الذي بيّنت لهم به وقبلته عقولهم . وبهذا يظهر أنّ نحو إدراك هذه المعارف بحقائقها التي هي عليها ، غير نحو إدراك العقول لها ، وهو الإدراك الفكري . وهذا ما يفسّر لنا السبب في أنّ هذه المعارف والحقائق - كما هي عليها - لا تدرك ولا تحتمل إلاّ من ملك مقرّب أو نبيٍّ مرسل أو مؤمن ممتحن - كما تقدّم - . من هنا حاول القرآن أن يوصل تلك المعارف من خلال الأمثال ؛ قال تعالى : ( وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ ) ( العنكبوت : 43 ) . قال الطباطبائي : « وهذه طريقة القرآن الكريم في تكليمه للناس ، فهو يصرّح أنّ الأمر أعظم ممّا يتوهّمه الناس أو يخيّل إليهم ، غير أنّه شيء لا تسعه حواصلهم وحقائق لا تحيط بها أفهامهم ، ولذلك نزّل منزلة قريبة من أفق إدراكهم لينالوا ما شاء الله أن ينالوه من تأويل هذا الكتاب العزيز » [1] . وهذا هو السبب - كما سيأتي - في أنّ رسول الله صلّى الله عليه وآله قال : « إنّا معاشر الأنبياء أُمرنا أن نكلِّم الناس على قدر عقولهم » [2] ، وليس المراد من
[1] الميزان في تفسير القرآن ، مصدر سابق : ج 2 ص 176 . [2] الأصول من الكافي : ج 1 ص 23 ، كتاب العقل والجهل ، الحديث : 15 .