قال أبو جعفر : إنّ الله عزّ وجلّ ابتدع الأشياء كلّها بعلمه على غير مثال كان قبله ، فابتدع السماوات والأرضين ، ولم يكن قبلهنّ سماوات ولا أرضون ، أما تسمع لقوله تعالى : ( وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ ) ( هود : 9 ) . فقال له حمران : أرأيت قوله جلّ ذكره : ( عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا ) ( الجنّ : 26 ) . فقال أبو جعفر عليه السلام : ( إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ ) ( الجن : 27 ) ، وكان والله محمّد ممّن ارتضاه ، وأمّا قوله : ( عَالِمُ الْغَيْبِ ( فإنّ الله عزّ وجلّ عالم بما غاب عن خلقه فيما يقدّر من شيء ، ويقتضيه في علمه قبل أن يخلقه وقبل أن يقضيه إلى الملائكة ، فذلك - يا حمران - علمٌ موقوف عنده إليه فيه المشيئة ، فيقضيه إذا أراد ، ويبدو له فيه فلا يمضيه ، فأمّا العلم الذي يقدّره الله عزّ وجلّ فيقضيه ويمضيه فهو العلم الذي انتهى إلى رسول الله صلّى الله عليه وآله ثمّ إلينا » [1] . عن أبي بصير عن أبي عبد الله الصادق عليه السلام قال : « إنّ لله علمين : علمٌ مكنون مخزون لا يعلمه إلاّ هو ، من ذلك يكون البداء ، وعلمٌ علّمه ملائكته ورسله وأنبياءه ونحن نعلمه » [1] . وتوضيح المراد من هذه النصوص يتوقّف على بيان المراد من البداء ، وما هي المساحة التي يحصل فيها ذلك ، من هنا سوف نمكث قليلاً لإعطاء لمحة عامّة عن هذه العقيدة بالقدر الذي نحتاج إليه .
[1] الأصول من الكافي ، مصدر سابق : ج 1 ص 256 ، باب الحجّة ، باب نادر فيه ذكر الغيب ، الحديث : 2 . [1] بصائر الدرجات الكبرى ، مصدر سابق : ج 1 ص 230 ، باب في الأئمّة أنّه صار إليهم جميع العلوم ، الحديث : 433 .