إلاّ أنّ الذي يلاحظ على هذه الرواية أنّ الإمام عليه السلام لما قام من مجلسه وصار في منزله قال كلاماً غير الذي قاله أوّلاً ، حيث بيّن أنّه عالم بالكتاب كلّه ، وحيث إنّ الكتاب فيه تبيان كلّ شيء فهو عالم بجميع الأشياء ، ما كان وما يكون ، كما تقدّم سابقاً ، وعليه فكيف يمكن أن يخفى عليه مكان الجارية . وهذا يكشف أنّه عندما كان في المجلس لم يكن يستطيع أن يصرّح بهذه الحقيقة التي بيّنها صريحاً عندما دخل منزله عليه السلام . ولعلّ السبب في ذلك يعود إلى أنّ المجلس كان فيه من لا يحتمل مثل هذه المقامات لأئمّة أهل البيت عليهم السلام . قال المجلسي : « أن يكون الغرض بيان أنّ ما ذكره عليه السلام أوّلاً كان للتقيّة من المخالفين أو من ضعفاء العقول من الشيعة ، لئلا ينسبوهم إلى الربوبيّة ، ولعلّه أظهر وأوفق بسائر الأخبار » [1] . والحاصل أنّ النصوص الروائية فضلاً عن الآيات القرآنيّة التي نفت علم غيره تعالى بالغيب ، إنّما هي بصدد بيان أنّ حقيقة علم الغيب هو علم غير مستفاد كعلم الله تعالى ، وأمّا علم غيره من الأنبياء والأوصياء بالغيب فإنّه لما كان علماً مستفاداً منه تعالى لا يكون علماً بالغيب حقيقةً ، وإنّما سُمّي بذلك نظراً إلى تعلّقه بالأمور الغائبة . وبه يجمع بين الأدلّة التي دلّت على أنّهم عالمون بالغيب والأدلّة التي نفت ذلك ، لذا روي عن عمّار الساباطي قال : « سألت أبا عبد الله الصادق عليه السلام عن الإمام يعلم الغيب ؟ فقال : لا ، ولكن إذا أراد أن يعلم الشيء أعلمه الله ذلك » [2] .
[1] مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول ، مصدر سابق : ج 3 ص 114 . [2] أصول الكافي : ج 1 ص 257 ، كتاب الحجّة ، باب نادر فيه ذكر الغيب ، الحديث : 4 .