تستلزم مثلاً أن يأكل ويشرب ويمشي في الأسواق ، وهكذا خصوصيّة الرسالة فإنّها لا تقتضي إلاّ حمل ما حمّله الله من أمره وبعثه لتبليغه بالإنذار والتبشير . ومن الواضح أنّ هاتين الخصوصيّتين لا تقتضيان بطبيعتهما أن يكون الرسول ، بما هو رسول ، عالماً بالغيب وقادراً على التصرّف في نظام التكوين ، وهذا بخلاف واجب الوجود فإنّ كونه كذلك يستلزم القدرة على كلّ شيء والعلم بكلّ شيء . قال المراغي : « ونفي ادّعاء الرسول الأمرين - أي أنّه يملك خزائن الله ويعلم الغيب - يتضمّن التبرّؤ من ادّعاء الألوهيّة وادّعاء شيء من صفات الإله القادر على كلّ شيء ، العليم بكلّ شيء ، ويتضمّن جهل المشركين حقيقة الألوهيّة وحقيقة الرسالة ، فقد اقترحوا عليه من الأعمال ما لا يقدر عليه إلاّ من له التصرّف فيما وراء الأسباب ، وطلبوا منه الإخبار بما يكون في الزمان المستقبل ، ولا يعلمه إلاّ من كان علمُ الغيب صفةً له كسائر الصفات » [1] . إذا اتّضحت هذه المقدّمة نقول : إنّ الآيات الدالّة على نفي علم الغيب للأنبياء بصدد نفي اقتضاء الحيثيّة البشريّة والرساليّة للنبيّ والرسول للعلم بالغيب ، إذ العلم بالغيب ليس من لوازم هاتين الحيثيّتين للنبيّ أو الرسول ، إلاّ أنّ هذا لا ينافي أن يفيض الله تعالى على عباده الذين ارتضاهم واجتباهم بعض العلوم الغيبيّة بإذنه وإرادته . وبعبارة أخرى : إنّ هاتين الحيثيّتين للرسول لا بشرط من جهة العلم
[1] تفسير المراغي : أحمد مصطفى المراغي ، الطبعة الأولى ، دار الكتب العلمية ، بيروت : ج 3 ص 75 .