في دار الدُّنيا وشهادة لمن انتقل من هذه النشأة إلى نشأة البرزخ . كذلك علم الله تعالى بذاته فهو شهادة بالنسبة إليه تعالى وغيب بالنسبة لباقي مخلوقاته . إذن الغيب والشهادة من المعاني الإضافيّة النسبيّة بقياس الأشياء بعضها إلى بعض . ومن أهمّ النتائج المترتّبة على هذه الحقيقة ، أنّه لا يوجد هناك شيء يكون غيباً بالنسبة له تعالى ، وذلك لأنّه بعدما ثبت في أبحاث التوحيد أنّ الله تعالى عالم بكلّ شيء ومحيط بكلّ شيء ، لا يشذّ عن علمه شيء من الأشياء ، فلا يقع شيء خارج عن علمه ، فعلى هذا فلا معنى لأن يكون شيء من الأشياء غيباً بالنسبة إليه تعالى ، فكلّ ما هو موجود فهو داخل في دائرة إحاطته وإن فرض أنّ ذلك الشيء غيب بالنسبة إلى غيره ؛ قال تعالى : ( أَلَا إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطٌ ) ( فصّلت : 54 ) ، وقال : ( وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ) ( البقرة : 231 ) ، وقال : ( والله بكل شيء عليم ) ( النساء : 176 ) ، وقال : ( وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ) ( الأنعام : 101 ) . وبحسب الاصطلاح المنطقي لا يتّصف الحقّ تعالى بأنّه عالم الغيب ; لأنّه لا يوجد بالنسبة إليه غيب أصلاً ، فيكون نفي العلم بالغيب عنه من باب السالبة بانتفاء الموضوع ، لذا نقل الآلوسي عن البعض أنّه قال : « إنّه سبحانه لا يعلم الغيب على معنى أن لا غيب بالنسبة إليه جلّ شأنه » [1] . من هنا قد يُقال : إذن ما معنى إطلاق القرآن عليه تعالى بأنّه « عالم الغيب » وأنّه تعالى : ( عَلَّامُ الْغُيُوبِ ) ( سبأ : 48 ) ؟ والجواب : أنّ ذلك ليس وصفاً بحال نفس الموصوف ، بل هو وصف بحال متعلّق الموصوف ، بمعنى أنّ شيئاً ما إذا كان غيباً بالنسبة إلى بعض مخلوقاته وغير مشهود له ،
[1] روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني ، مصدر سابق : ج 13 ص 110 .