وأمّا المعنويّة ، فقد بيّن القرآن أنّ هناك مصاديق كثيرة للرجس المعنوي : قال تعالى : ( فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ كَذَلِكَ يَجْعَلُ اللَّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ ) ( الأنعام : 125 ) ، فهي ونظائرها تشير إلى المرتبة الباطنيّة المعنويّة للرجس ; لأنّ الضلال ونتائجه وأسبابه أمور باطنيّة معنويّة . وقال : ( فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ ) ( الحجّ : 30 ) ، وواضح أنّ الأوثان بنفسها لا رجس فيها ، وإنّما الرجس والقذارة في عبادتها دون الله تعالى ، وهي من الأمور الباطنيّة المعنويّة أيضاً . وقال : ( وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تُؤْمِنَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَيَجْعَلُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ ) ( يونس : 100 ) ؛ حيث جعلت الشكّ والرّيب المؤديّين إلى الضلال وعدم الإيمان بالله تعالى رجساً يجعله على الذين لا يعقلون . وقال : ( وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْسًا إِلَى رِجْسِهِمْ ) ( التوبة : 125 ) ؛ حيث أشارت إلى حقيقة أخرى عدا كون الشكّ والنفاق رجساً ، وهي أنّ الرجس ليس كلّه بمرتبة واحدة ، بل هو من الأمور المتفاوتة ذي المراتب المختلفة بالزيادة والنقصان ، بحسب القبائح والنقائص التي يتلبّس بها الإنسان . وقال : ( فأعرضوا عنهم إنَّهم رجسٌ ) ( التوبة : 95 ) ؛ حيث جعلت المنافق نفسه رجساً وذلك لما تلبّس به من النفاق . وغير ذلك من النصوص القرآنيّة التي تشاركها في المضمون ذاته ، والتي تؤكّد أنّ الرجس شامل للأمور المادّية والمعنويّة من الملكات والاعتقادات الباطلة والأخلاق ونحوها .