والألفاظ ، أمّا إذا كان الأمر وراء ذلك فلا يمكن للعقل أن يلامسه ، لأنّه خارج عن حدوده ودائرته . وهذه الحقيقة قرّرها صدر الدِّين الشيرازي بقوله : « وللقرآن في كلّ مرتبة ومقام حَمَلة يحفظونه ويكتبونه ولا يمسّونه إلاّ بشرط طهارتهم عن حدثهم أو عن حدوثهم ، ونزاهتهم وانسلاخهم عن مكانهم أو عن إمكانهم ، والقشر من الإنسان لا يدرك إلاّ القشور من القرآن ، والإنسان القشري من الظاهريّة لا يدرك إلاّ المفهومات القشريّة والنكات البيانيّة والأحكام العمليّة والسياسات الشرعيّة ، وأمّا روح القرآن وسرّه ولبّه فلا يدركه إلاّ أولو الألباب وذوو البصائر ، إذ حقيقة الحكمة لا تنال إلاّ بموهبة الله ولا يبلغ الإنسان إلى مرتبة يسمّى حكيماً إلاّ بأن يفيض الله عليه من حكمته حكمةً ومن لدنه علماً ، لأنّ العلم والحكمة من صفاته الكماليّة والعليم والحكيم من أسماء الله الحسنى ، ولا بدّ في من له نصيب منهما أن يكون ذلك بمجرّد موهبة الله إيّاه ، ولذلك قال سبحانه بعد قوله : ( وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ ) ( ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ ) ( الجمعة : 4 ) ، وسمّى الحكمة خيراً كثيراً ، وقال : ( يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ ) ( البقرة : 269 ) » [1] . وهذا المعنى هو الذي تحدّث عنه القرآن في قوله تعالى : ( إِنَّهُ لَقُرْآَنٌ كَرِيمٌ * فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ * لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ ) ( الواقعة : 77 - 79 ) ، فقد حصرت الآية الكريمة مسّ الكتاب المكنون والوصول إليه بالمطهّرين خاصّة ، أمّا من هم المطهّرون ؟ فهذا ما ستأتي الإشارة إليه . وأوضح الطباطبائي ذلك في ذيل قوله تعالى : ( وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ لَدَيْنَا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ ( ( الزخرف : 4 ) ، بقوله : « والمراد بكونه « عليّاً »
[1] الحكمة المتعالية في الأسفار العقليّة الأربعة ، مصدر سابق : ج 7 ص 39 .