الكتاب المبين من هذه الجهة غير خزائن الغيب التي عند الله سبحانه ، وإنّما هو شيء مصنوع لله سبحانه ، يضبط سائر الأشياء ويحفظها بعد نزولها من الخزائن وقبل بلوغها منزل التحقّق ، وبعد التحقّق والانقضاء . ويشهد بذلك أنّ الله سبحانه إنّما ذكر هذا الكتاب في كلامه ، لبيان إحاطة علمه بأعيان الأشياء والحوادث الجارية في العالم ، سواء كانت غائبة عنّا أو مشهودة لنا . والحاصل : ما من شيء ممّا خلقه الله سبحانه إلاّ وله في خزائن الغيب أصل يستمدّ منه ، وما من شيء ممّا خلقه الله إلاّ والكتاب المبين يحصيه قبل وجوده وعنده وبعده ، غير أنّ الكتاب أنزل درجة من الخزائن . ومن هنا يتبيّن للمتدبّر الفطن أنّ الكتاب المبين - في عين أنّه كتاب محض - ليس من قبيل الألواح والأوراق الجسمانية ، فإنّ الصحيفة الجسمانيّة أيّاً ما فُرضتْ وكيفما قُدّرت لا تحتمل أن يكتب فيها تاريخ نفسه فيما لا يزال ، فضلاً عن غيره ، فضلاً عن كلّ شيء في مدى الأبد » [1] . الأمر الثالث : النسبة بين الكتاب المبين والحوادث الخارجيّة دلّت الآيات السابقة أنّ الكتاب المبين يحصي كلّ شيء كما قاله تعالى : ( وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ كِتَابًا ( ( النبأ : 29 ) ، فماذا تعني هذه الحقيقة القرآنيّة ، أنّ كلّ شيء في الكتاب المبين ؟ أهو هذه الأشياء من جهة شهادتها وغيبها جميعاً ، أم هي من جهة غيبها فقط ؟ وبعبارة أخرى : الكتاب المبين أهو هذا الكون المشتمل على أعيان هذه الأشياء لا يغيب عنه شيء منها ، وإن غاب بعضها عن بعض ، أم هو
[1] الميزان في تفسير القرآن ، مصدر سابق : ج 7 ص 127 .