الناس رجلان : مستريح بالموت ومستراح منه ، فجدد الإيمان بالله وبالولاية تكن مستريحاً . ففعل الرجل ذلك . . والحديث طويل أخذنا منه موضع الحاجة . وقيل لمحمد بن علي بن موسى ( عليهم السلام ) : ما بال هؤلاء المسلمين يكرهون الموت ؟ فقال : لأنهم جهلوه فكرهوه ، ولو عرفوه وكانوا من أولياء الله حقاً لأحبوه ، ولعلموا أن الآخرة خير لهم من الدنيا ! ثم قال : يا عبد الله ، ما بال الصبي والمجنون يمتنع من الدواء المنقي لبدنه والنافي للألم عنه ؟ فقال : لجهلهم بنفع الدواء . فقال : والذي بعث محمداً بالحق نبياً ، إن من قد استعد للموت حق الاستعداد فهو أنفع لهم من هذا الدواء لهذا المتعالج ، أما إنهم لو علموا ما يؤدي إليه الموت من النعم ، لاستدعوه وأحبوه أشد مما يستدعي العاقل الحازم الدواء لدفع الآفات واجتلاب السلامات . ودخل علي بن محمد ( عليهما السلام ) على مريض من أصحابه وهو يبكي ويجزع من الموت ، فقال له : يا عبد الله تخاف من الموت لأنك لا تعرفه ، أرأيتك إذا اتسخت ثيابك وتقذرت ، وتأذيت بما عليك من الوسخ والقذرة ، وأصابك قروح وجرب ، وعلمت أن الغسل في حمام يزيل عنك ذلك كله ، أما تريد أن تدخله فتغسل فيزول ذلك عنك ، أو ما تكره أن لا تدخله فيبقى ذلك عليك ؟ قال : بلى يا ابن رسول الله . قال : فذلك الموت هو ذلك الحمام ، وهو آخر ما بقي عليك من تمحيص ذنوبك وتنقيتك من سيئاتك ، فإذا أنت وردت عليه وجاوزته ، فقد نجوت من كل غم وهم وأذى ، ووصلت إلى سرور وفرح . فسكن الرجل ونشط واستسلم ، وغمض عين نفسه ومضى لسبيله .