وثمة نصوص كثيرة تدل على ذلك ، بل فيها ما يدل على أنهم كانوا لا ينزعجون من تنقص الخلفاء الثلاثة أيضاً ، فراجع [1] . ثم اقتضت سياستهم ، التخلي عن ذلك ، والانتقال إلى الجهة المقابلة ، ومواجهة آل علي بالقتل والتنكيل والاضطهاد ، فكان ذلك كفارة لكل ذنوبهم تلك ، ولهذا لم يستحل هؤلاء الناس دماءهم ، ولا أموالهم ، ولا جوزوا لأنفسهم أن يطعنوا فيهم ، أو أن يوجهوا لهم أدنى نقد أو تجريح ! ! حبذا لو أكملوا الشوط : وبعد . . فربما نستطيع أن نلمح قدراً من الإنصاف لدى الكثيرين من الناس ، الذين نالوا قدراً وافياً من المعرفة ، وحصلوا على قسط من العلم ، ممن عاشوا في القرون الأولى ، حيث لم تكن حالة التقديس للأشخاص قد تعمقت وترسخت لتصبح جزءاً من التكوين العقيدي لدى فريق من الناس . فنجد : أن هؤلاء العلماء قد أرادوا أن يتعاملوا مع بعض القضايا ، من خلال تقييم ما توفر لديهم من نصوص ، وما حصلوا عليه من معارف . ولعل شيخ البخاري ، والنسائي وعبد الرزاق ، والمأمون ، وغيرهم ، كانوا ممن حاول ذلك أحياناً ، وإن كان يؤخذ عليهم أن ذلك لم يكن هو القاعدة المطردة في حياتهم العلمية ، بل بقوا يتأثرون في قضاياهم الأخرى بعوامل كثيرة ، سياسية ، وفئوية ومصلحية ، وعاطفية ، الأمر الذي جعلهم أبعد عن التقييم الصحيح والسليم لقضايا أساسية ورئيسية أخرى ، ولم يكونوا في المستوى اللائق والكافي ، وهم يتعاملون معها على الصعيد الفكري والعلمي ، الموضوعي والرصين .
[1] راجع كتابنا الحياة السياسية للإمام الرضا عليه السلام القسم الأول .