وأما علم الفصاحة ، فهو منبعه حتى قيل في كلامه أنه فوق كلامه المخلوق ودون كلام الخالق ، ومنه تعلم الخطباء . وقال : سلوني قبل أن تفقدوني ، سلوني عن طرق السماء فإني أعلم بها من طرق الأرض ! وإليه يرجع الصحابة في مشكلاتهم ، ورووا في عمر قضايا كثيرة قال فيها : لولا على لهلك عمر . وأوضح كثيراً من المشكلات : جاء إليه شخصان كان مع أحدهما خمسة أرغفة ومع الآخر ثلاثة ، فجلسا يأكلان فجاءهما ثالث فشاركهما ، فلما فرغوا رمى لهما ثمانية دراهم ، فطلب صاحب الأكثر خمسة فأبى عليه صاحب الأقل ، فتخاصما ورجعا إلى علي عليه السلام فقال : قد أنصفك فقال : يا أمير المؤمنين إن حقي أكثر وأنا أريد مرّ الحق ، فقال : إذا كان كذلك فخذ درهماً واحداً وأعطه الباقي . ووقع مالكا جارية عليها جهلاً في طهر واحد فحملت ، فأشكل الحال فترافعا إليه فحكم بالقرعة فصوّبه رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وقال : الحمد للّه الذي جعل لنا أهل البيت من يقضي على سنن داود . يعني به القضاء بالإلهام . وركبت جارية أخرى فنخستها ثالثة فوقعت الراكبة فماتت ، فقضى بثلثي ديتها على الناخسة والقامصة ، وصوّبه النبي صلّى اللّه عليه وآله . وقتلت بقرة حماراً ، فترافع المالكان إلى أبي بكر فقال : بهيمة قتلت بهيمة لا شئ على ربها ! ثم مضيا إلى عمر فقضى بذلك أيضاً ، ثم مضيا إلى علي عليه السلام فقال : إن كانت البقرة دخلت على الحمار في منامه فعلى ربّها قيمة الحمار لصاحبه ، وإن كان الحمار دخل على البقرة في منامها فقتلته فلا غرم على صاحبها ! فقال النبي صلّى اللّه عليه وآله : لقد قضى علي بن أبي طالب بينكما بقضاء اللّه عز وجلّ . والأخبار العجبية في ذلك لا تحصى كثرةً . وإذا كان أعلم وجب أن يكون هو الإمام ، لقوله تعالى : ( أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ