الثاني أنه عليه السلام كان أعبد الناس يصوم النهار ويقوم اللّيل ، ومنه تعلّم الناس صلاة اللّيل ونوافل النهار ، وأكثر العبادات والأدعية المأثورة عنه تستوعب الوقت . وكان يصلّي في نهاره وليلته ألف ركعة ، ولم يُخِلَّ بصلاة اللّيل حتى في ليلة الهرير . قال ابن عباس : رأيته في حربه وهو يرقب الشمس فقلت : يا أمير المؤمنين ماذا تصنع ؟ فقال : أنظر إلى الزوال لأصلّي ، فقلت : في هذا الوقت ؟ فقال : إنما نقاتلهم على الصّلاة ! فلم يغفل عن فعل العبادة في أوّل وقتها في أصعب الأوقات . وكان إذا أريد إخراج شيء من الحديد من جسده تُرك إلى أن يدخل في الصلاة فيبقى متوجهاً إلى اللّه تعالى غافلاً عما سواه ، غير مدرك للآلام التي تفعل به . وجمع بين الصّلاة والزكاة فتصدّق وهو راكع ، فأنزل اللّه تعالى فيه قرآناً يتلى . وتصدّق بقوته وقوت عياله ثلاثة أيام حتى أنزل فيه وفيهم : هَلْ أتَى . . . . وتصدّق ليلاً ونهاراً وسرّاً وجهاراً . وناجى الرسول فقدم بين يدي نجواه صدقة فأنزل اللّه تعالى فيه قرآناً . وأعتق ألف عبد من كسب يده . وكان يؤجِّر نفسه وينفق على رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله في الشِّعْب . وإذا كان أعبد الناس كان أفضل ، فيكون هو الإمام . الثالث أنه كان أعلم الناس بعد رسول اللّه ، قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله : أقضاكم علىٌّ . والقضاء يستلزم العلم والدين . وفيه نزل قوله تعالى : ( وَتَعِيَهَا أُذُنٌ وَاعِيَةٌ ) . ولأنه عليه السلام كان في غاية الذكاء والفطنة شديد الحرص على التعلّم ، ولا زم