بني أمية وطغاة بني مروان بولد علي وشيعته ، وإنما كان سلطانه نحو عشرين سنة ، فما مات الحجاج حتى اجتمع أهل العراق على قراءة عثمان ، ونشأ أبناؤهم ولا يعرفون غيرها ، لإمساك الآباء عنها ، وكف المعلّمين عن تعليمها ، حتى لو قرئت عليهم قراءة عبد الله وأُبيّ ما عرفوها ولظنوا بتأليفها الاستكراه والاستهجان ، لألف العادة وطول الجهالة ، لأنه إذا استولت على الرعيّة الغلبة ، وطالت عليهم أيام التسلّط ، وشاعت فيهم المخافة ، وشملتهم التقيّة ، اتفقوا على التخاذل والتناكب ، فلا تزال الأيام تأخذ من بصائرهم ، وتنقص من ضمائرهم ، وتنقض من مرائرهم ، حتى تصير البدعة التي أحدثوها غامرة للسنّة التي كانوا يعرفونها . ولقد كان الحجّاج ومن ولاّه كعبد الملك والوليد ومن كان قبلهما وبعدهما من فراعنة بني أمية ، على إخفاء محاسن علي وفضائله وفضائل ولده وشيعته وإسقاط أقدارهم ، أحرص منهم على إسقاط قراءة عبد الله وأُبيّ ، لأن تلك القراءات لا تكون سبباً لزوال ملكهم وفساد أمرهم وانكشاف حالهم ، وفي اشتهار فضل علي عليه السلام وولده وإظهار محاسنهم ، بوارهم وتسليط حكم الكتاب المنبوذ عليهم ، فحرصوا واجتهدوا في إخفاء فضائله ، وحملوا الناس على كتمانها وسترها . وأبى اللّه أن يزيد أمره وأمر ولده إلا استنارة وإشراقاً ، وحبّهم إلا شغفاً وشدّة ، وذكرهم إلا انتشاراً وكثرة ، وحجّتهم إلاّ وضوحاً وقوّة ، وفضلهم إلا ظهوراً ، وشأنهم إلا علوّاً ، وأقدارهم إلا إعظاماً ، حتى أصبحوا بإهانتهم إيّاهم أعزّاء ، وبإماتتهم ذكرهم أحياء ، وما أرادوا به وبهم من الشرّ تحوّل خيراً . فانتهى إلينا من ذكر فضائله وخصائصه ومزاياه وسوابقه ما لم يتقدّمه السّابقون ، ولا ساواه فيه القاصدون ، ولا يلحقه الطالبون ، ولولا أنها كانت كالقبلة المنصوبة في الشهرة ، وكالسنن المحفوظة في الكثرة ، لم يصل إلينا منها في دهرنا حرف واحد ، وكان الأمر كما وصفناه » .