لما قتل عثمان وبويع ، وحينئذ ، فأكثر الناس كانوا معه ، ولم يكن معه الأقلّون ، وقد اتفق أهل السنّة والشيعة على أن عليّاً لم يدع إلى مبايعته في خلافة أبي بكر وعمر وعثمان . . . » . أقول : ليس المراد من ( طلب الأمر لنفسه ) أن يخرج إلى الناس ويدعوهم إلى بيعته ، فإن هذا لم يكن منه ، لا بعد أن توفى اللّه نبيه صلّى اللّه عليه وآله ، ولا بعد أن قتل المسلمون عثمان بن عفان . أمّا في اليوم الأوّل ، فقد كان مشغولاً بالنبي صلّى اللّه عليه وآله ، وما كان بالذي يتركه على الأرض ويخرج فيخاصم الناس على سلطانه كما فعل غيره ، غير أن بني هاشم وجماعة من المهاجرين والأنصار كانوا في بيته ليبايعوه وهم لا يشكّون في أنه الخليفة والإمام بعد رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله . وأمّا في اليوم الثاني ، فإن الناس هم الذين طلبوه لأن يبايعوه ، فإن كان قبول البيعة منهم طلباً ، فلماذا أنكرت نسبة الطلب إلى أبي بكر وأنت تدّعي أن الناس بايعوه ؟ إنه ليس على الإمام الحق إلا الاستعداد لتولّي الأمر وقبول البيعة . وهذا ما فعله أمير المؤمنين عليه السلام في اليومين ، غير أنه في الثاني بايعه الأكثرون بل الكلّ ، وفي الأوّل - والكلام حوله الآن - لم يبايعه إلا الأقلّون الذين بقوا معه في الدار ، معرضين عن الدنيا وأهلها . . . . وأيّ شيء أبلغ في الدّلالة على الطلب ، من قبول البيعة ممن بايع والإباء عن البيعة للغير ؟ نعم ، لقد طلب الأمر لنفسه ، وتحقق له ، ببيعة أولئك الأقلّين وقبول بيعتهم ، وإلاّ لخرج وبايع أبا بكر . هب أنه كان معذورا بانشغاله بأمر النبي صلّى اللّه عليه وآله ثم بجمع القرآن في الأيام الأولى ، فلا أقل من أن يأمر أهله وذويه بالمبادرة إلى البيعة ! وهلاّ بايع بعد الفراغ ممّا كان يشغله ؟ وهلاّ أمر حليلته بضعة الرسول عليهما السلام - وهو يراها موشكة على اللّحوق بأبيها - وهو يعلم بأن : « من مات ولم يعرف إمام زمانه مات