إيضاح : أنه لو وجد الأخس ولم يوجد الممكن الأشرف قبله ، تمحل الأمر ولزم إما خلاف المقدر أو جواز صدور الكثير عن الواحد أو الأشرف عن الأخس أو وجود جهة أشرف مما عليه المبدأ الأول ، لأن وجود الأخس إن كان بواسطة لزم الأول ، للزوم كون العلة أشرف من المعلول وأقوى ، وإن كان بغير واسطة وجاز صدور الأشرف عن المبدأ الأول لزم الثاني ، لامتناع صدوره بواسطة الأخس لما تقدم ، - وإن جاز عن معلوله لزم الثالث لانحصار الواسطة في الأخس - وإن لم يجز صدوره عنهما لزم الرابع لفرض إمكانه ، والممكن لا يلزم من فرض تحققه محال ، وإلا لم يكن ممكنا وهو خلاف الفرض . فإذا فرض وجوده وليس بصادر فرضا عن المبدأ الأول ، ولا عن معلولاته استدعى ذلك الوجود جهة مقتضية له أشرف مما عليه المبدأ الأول ، حتى يكون عدم وجوده لعدم علته ، وإذا بطل التالي وامتنع سوقه على أقسامه بطل المقدم ولزم صدق الشرطية المذكورة المفيدة لقاعدة إمكان الأشرف . ولا يلتبس عليك الأمر إذا لاح لك في كتب الفلسفة ، الفصل المعقود لتحقيق حدوث النفوس البشرية ، أو رأيت من الشفا ( للشيخ الرئيس ) قوله : ( إن النفس الإنسانية لم تكن قائمة مفارقة للأبدان ، ثم حصلت في البدن ) وقوله فيها أيضا : ( فقد صح إذا أن الأنفس تحدث كما تحدث مادة بدنية صالحة لاستعمالها إياها ) . فإن موضوع قضيتهم النفوس الناطقة المتعينة بهذه التعينات الجزئية ، التي بها تلمس وتشم وتسمع ، ولا شك في حدوثها بحدوث البدن . وموضوع مسألتنا النفوس المتشخصة بنحو آخر من الوجود ، لما تقدم لك من أن للنفس الناطقة مع بساطتها نشآت جوهرية متفاوتة وأنحاء من الكون بين سابق ولاحق ، وليس لها كون محدود الهوية . واستعداد البدن شرط للنحو