النفس ابتداء كما يحكم بثبوت الصانع ، أو أن حكمه منوط بفكرة الثواب والعقاب ، أو الميل الغريزي إلى البقاء والخلود ، ذهب إلى كل فريق ، وإليك أدلة الجميع : قال الذين اعتمدوا الوحي : إن فساد البدن لا يوجب فساد النفس أما تدبيرها له ، وتصرفها فيه فلا يستدعي الملازمة بينهما نفيا ولا إثباتا ، وعليه فلا بد لإثبات البقاء من دليل ، ولا دليل سوى نصوص الكتاب والسنة وإجماع الأمة ، وهي من الكثرة ما لا يبلغه الاحصاء ، من ذلك قوله تعالى : ( ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون ) وقوله تعالى : ( يا أيتها النفس المطمئنة ارجعي إلى ربك راضية مرضية ) . وجاء في السيرة أن النبي ( ص ) نادى قتلى بدر من المشركين رجلا رجلا ، وخاطبهم قائلا : ( هل وجدتم ما وعد ربكم حقا ؟ فإني وجدت ما وعدني ربي حقا ، بئس القوم كنتم لنبيكم ، كذبتموني وصدقني الناس ، وأخرجتموني وآواني الناس وقاتلتموني ونصرني الناس . فقال له أصحابه : يا رسول الله أتنادي قوما قد ماتوا ؟ ! فقال : ما أنتم بأسمع منهم لما أقول ، ولكنهم لا يستطيعون الجواب ) . أما الذين اعتبروا حكم العقل وثيق الصلة بفكرة الثواب والعقاب ، أو حب الخلود ، فيتلخص دليلهم بما يلي : 1 - إن الله سبحانه قد أودع في طبيعة الإنسان محبة الوجود والخلود ، وكراهية العدم والفناء ، وبديهة أنه لا بقاء في هذه الحياة فلا بد - إذن - من حياة ثانية يتم فيها الخلود ، ولو لم توجد هذه الحياة لكانت غريزة الميل إلى البقاء عبثا والله منزه عن العبث . ويلاحظ على هذا الدليل أن الخلود لا يتحقق لمجرد الرغبة فيه ، وإلا