وذلك أن الإنسان عندما يخلص العبادة لله وحده يتحرر من كل كائن آخر سواه ، فهو يتحرر من الأوهام والخرافات ، ويتحرر من سيطرة المشعوذين فيحرر فكره وعقله فيكون على بصيرة من الأمر ولا يقبل الأشياء على علاتها ، ثم إنه يتحرر من عبادة المال فلا يجعل غايته في الحياة السعي وراء كنزه والاستكثار منه فيحرم منه ذوي الحاجة إليه ، كما أنه بذلك يتفرغ إلى أمور أخرى هي أهم من جمع المال . ويتحرر من عبودية الأشخاص فيشعر بقوة شخصيته وحريته وتحرره ، فلا يكون عبدا ذليلا لغيره إذ العبودية لله وحده وهو يقف جبارا أمام كل طاغية رافع الرأس غير مستكين . إنه متحرر من أهوائه وشهواته ، فقد أحكم ذاته وأخضعها للخير ، وقوى إرادته ، فلم يعد آلة طيعة تلعب بها الأهواء . وفي كل ذلك تربية للشخصية وتثقيف لها وتهذيب . وبعد أن تتحقق هذه الشخصية المتحررة من عبودية الخرافات والأوهام والأشخاص والمال والأهواء . هذه الشخصية التي رتبت ذاتها وإرادتها أصبح بإمكانها ومن السهل عليها أن تقبل أنواعا من التربية وتكمل بها إنسانيتها . ثم إن الإسلام في تربيته يحرص على أن يغرس في نفس الطفل الوازع الداخلي النابع من الأعماق الذي يسلك السلوك الحسن لا خوفا من الأشخاص أو المجتمع ، ولا لأن العقوبة ستصيبه إن هو أساء السلوك ، ولا لأن القانون والمحاكم ستتابعه ثم يزج به في السجن . إن الإسلام يحرص على أن تكون الرقابة ذاتية داخلية لا رقابة مادية ولكن من أين تأتي هذه الرقابة وكيف تتكون ؟ إنها مسألة بسيطة بالنسبة للإنسان المؤمن ، إن هذه المراقبة الداخلية تتكون عندما يشعر الإنسان بالرقابة الإلهية وحدها التي لا تخطئ ، ولذلك نجد لقمان يقول لابنه : " يا بني إنها إن تك مثقال حبة من خردل فتكن في صخرة أو في السماوات أو في الأرض