الحكمة ، ولا يدخر لنفسه مثل ذلك الرصيد . [1] ثم تجئ قضية التوحيد في صورة موعظة من لقمان الحكيم لابنه : " وإذ قال لقمان لابنه - وهو يعظه - " يا بني لا تشرك بالله إن الشرك لظلم عظيم " . وإنها لعظة غير متهمة ، فما يريد الوالد لولده إلا الخير ، وما يكون الوالد لولده إلا ناصحا . وهذا لقمان الحكيم ينهى ابنه عن الشرك ، ويعلل هذا النهي بأن الشرك ظلم عظيم . ويؤكد هذه الحقيقة مرتين : مرة بتقديم النهي وفصل علته . ومرة بأن واللام . . وهذه هي الحقيقة التي يعرضها محمد ( ص ) على قومه فيجادلونه فيها ، ويشكون في غرضه من وراء عرضها ، ويخشون أن يكون وراءها انتزاع سلطان منهم والتفضل عليهم ! فما القول ولقمان الحكيم يعرضها على ابنه ويأمر بها . والنصيحة من الوالد لولده مبرأة من كل شبهة بعيدة من كل ظنة . وفي هذه الآيات على ما نرى تتركز عناصر التربية والتهذيب الإسلاميين وهي مملوءة زاخرة بالعناصر المختلفة التي تجعل من الطفل والرجل والمرأة أشخاصا مثاليين في مجتمع مثالي ، ولا تعني هذه المثالية أنها خيالية بل أنها مثالية واقعية لأنها تراعي طبيعة الإنسان وفطرته وانسجامه مع المادة والروح ، مع الأفراد والجماعات ، منسجم في أسرته ومعاشه وحياته وآخرته . فلسفة التربية في الإسلام فلسفة مثالية واقعية تحترم الشخصية الإنسانية تراعي جميع نواحيها وتجعلها شخصية متكاملة كلية لا انقسام فيها ولا تجزئة .
[1] راجع الجزء الثاني من كتابنا ( الجواهر الروحية ) تجد فيه استيفاء أحوال لقمان وحياته .