يريد به الخير المحض ولا يريد به سواه . وهذا هو المؤثر النفسي المقصود فهو ( عليه السلام ) يوجه دروسه ووصاياه إلى الأولاد دون الوالدين على ضوء القرآن الكريم ، إذ لم ترد توصية الوالدين بالولد إلا قليلا . ومعظمها في حالة الوأد - وهي حالة خاصة في ظروف خاصة - ذلك أن الفطرة تتكفل وحدها برعاية الوليد من والديه . فالفطرة مدفوعة إلى رعاية الجيل الناشئ لضمان امتداد الحياة كما يريدها الله . وإن الوالدين ليبذلان لوليدهما من أجسامهما وأعصابهما وأعمارهما ومن كل ما يملكان من عزيز وغال ، في غير تأفف ولا شكوى ، بل في غير انتباه ولا شعور بما يبذلان ، بل في نشاط وفرح وسرور كأنهما اللذان يأخذان ! فالفطرة وحدها كفيلة بتوصية الوالدين دون وصاة ! فأما الوليد فهو في حاجة إلى الوصية المكررة ليلتفت إلى الجيل الذاهب في إدبار الحياة ، بعد ما سكب عصارة عمره وروحه وأعصابه للجيل المتجه إلى مستقبل الحياة ! وما يملك الوليد وما يبلغ أن يعوض الوالدين بعض ما بذلاه ، ولو وقف عمره عليهما . وهذا الانعطاف الهائل ، وهذه الكرامة والمعاملة الندية تأتي في طريقها شدة وضعفا ، فالأم بطبيعة الحال ( كما ذكرنا ) تحتمل النصيب الأوفر ، ولها القدح المعلى من البر والرعاية والانعطاف . قال رسول الله ( ص ) : " بر الوالدة على الوالد ضعفان " . ويفوقها الوالد بما يحدث للولد بعد هذا من شعور الإعجاب بالعظمة والكمال والقدرة وهو من الغرائز . والولد يشعر بأن أباه أعظم الناس وأحقهم بالإجلال والتعظيم . وقد كان العرب يتفاخرون بآبائهم في أسواقهم ، وفي معاهد الحج ، حتى قال الله تعالى :