فيتوارد دم الأم إلى موضعها حيث تسبح هذه البويضة الملقحة دائما في بركة من دم الأم ، الغني بكل ما في جسمها من خلاصات ، وتمتصه لتحيا به وتنمو . وهي دائمة الأكلان لجدار الرحم ، دائمة الامتصاص لمادة الحياة ، والأم المسكينة تأكل وتشرب وتهضم وتمتص ، لتصب هذا كله دما نقيا غنيا لهذه البويضة الشرهة النهمة الأكول ! وفي فترة تكوين عظام الجنين يشتد امتصاصه للجير من دم الأم فتفتقر إلى الجير ، ذلك أنها تعطي محلول عظامها في الدم ليقوم به هيكل هذا الصغير ! وهذا كله قليل من كثير ! ثم الوضع ، وهي عملية شاقة ممزقة ، ولكن آلامها الهائلة كلها لا تقف في وجه الفطرة ، ولا تنسى الأم حلاوة الثمرة ، ثمرة التلبية للفطرة ، ومنح الحياة نبتة جديدة تعيش وتمتد . . بينما هي تذوي وتموت ! ثم الرضاع والرعاية ، حيث تعطي الأم عصارة لحمها وعظمها في اللبن ، وعصارة قلبها وأعصابها في الرعاية ، وهي مع هذا وذاك فرحة سعيدة رحيمة ودود . لا تمل أبدا ولا تكره تعب هذا الوليد . وأكبر ما تتطلع إليه من جزاء أن تراه يسلم وينمو . فهذا هو جزاؤها الحبيب الوحيد ! فأنى يبلغ الإنسان في جزاء هذه التضحية مهما يفعل ، وهو لا يفعل إلا القليل الزهيد ؟ لذلك صارت الأم - بطبيعة الحال - تحتمل النصيب الأوفر من العناية والرعاية ، لما تجود به من انعطاف أشد وأعمق ، وأحنى وأرفق . وصدق رسول الله ( ص ) قد جاءه رجل كان في الطواف حاملا أمه يطوف بها فسأله هل أديت حقها ؟ فأجابه : " لا ، ولا بزفرة واحدة " . هكذا . . ولا بزفرة واحدة . . في حمل أو في وضع ، وهي تحمله وهنا على وهن