البنوة إلى استجاشة وجدانها بقوة لتنعطف إلى الخلف ، وتتلفت إلى الآباء والأمهات إن الوالدين يندفعان بالفطرة إلى رعاية الأولاد ، إلى التضحية بكل شئ حتى بالذات . وكما تمتص النابتة الخضراء كل غذاء في الحبة فإذا هي فتات ، ويمتص الفرخ كل غذاء في البيضة فإذا هي قشر ، كذلك يمتص الأولاد كل رحيق وكل عافية وكل جهد وكل اهتمام من الوالدين ، فإذا هما شيخوخة فانية - إن أمهلهما الأجل - وإذا هما مع ذلك سعيدين ! فأما الأولاد فسرعان ما ينسون هذا كله ، ويندفعون بدورهم إلى الأمام إلى الزوجات والذرية . . . وهكذا تندفع الحياة . ومن ثم لا يحتاج الآباء إلى توصية بالأبناء ، إنما يحتاج الأبناء إلى استجاشة وجدانهم بقوة ، ليذكروا واجب الجيل الذي أنفق رحيقه كله حتى أدركه الجفاف ! ويصور الإمام ( سلام الله عليه ) هنا تلك التضحية النبيلة الكريمة الواهبة التي تتقدم بها الأمومة ، والتي لا يجزيها أبدا إحسان من الأولاد مهما أحسنوا القيام بحقها . وتركيب هذه الألفاظ وجرسها من الإمام ( عليه السلام ) يكاد يجسم العناء والجهد والضنى والكلال ، الذي تتحمله الأم أيام الحمل وأثناء الوضع . " حملته كرها ووضعته كرها " لكأنها آهة مجهد مكروب ، ينوء بعب ء ويتنفس بجهد ويلهب بالأنفاس ! إنها سورة الحمل وبخاصة في أواخر أيامه وسورة الوضع وطلقه وآلامه ويتقدم علم الأجنة فإذا به يكشف لنا في عملية الحمل عن جسامة التضحية ونبلها قي صورة حسية مؤثرة . إن البويضة بمجرد تلقيحها بالخلية المنوية ، تسعى للالتصاق بجدار الرحم . وهي مزودة بخاصية أكالة ، تمزق جدار الرحم الذي تلتصق به وتأكله