أدنى إلى الفلاح وأبعد عن الدنايا . إنني أميل إلى التفاؤل في حكمي على فطرة الإنسان ، وأحسب أنه لو تضافرت عوامل معينة على تمهيد الطريق أمامه لقل عثاره واهتدى إلى ربه واستراح إلى كنفه . إن الحكومات تستصلح الآن مساحات شاسعة من الأرض السبخة والصحاري الجافة ، وتعمل - دائبة - على تحويلها إلى جنان وحقول تزدان بالزرع والنخيل ، وهي تغسل الأرض جيدا لتزيل ما علق بتربتها من أملاح ، وترقب البذور الوليدة لتمنع الحشائش الغريبة من النماء على حسابها . فهل ترى أن مثل هذه الجهود لو سلطت في ميدان العلم والتربية لاستصلاح الجماهير المضيعة والعقول الملتاثة ، أما كان لها نتاج كريم وثمر عظيم ؟ كتب شقي مجرم ليلة إعدامه كلمات ، أحب أن نقف قليلا لديها ، وأن نسائل أنفسنا عن مدى ما فيها من حق . هذا المجرم سرق في سن الخامسة ، وكان من قطاع الطرق في الحادية عشرة ، وتحول قاتلا فاتكا في السادسة والعشرين ، وحكم عليه بالموت خنقا بالغاز عقابا له على ما جنت يداه . وها هو ذا - قبل أن يلقى حتفه - يخط هذه الأفكار والمشاعر . . . وفيها - لا ريب - عظات بالغة للمربين . قال : " لم يبق لي في الحياة وقت طويل ، فما هي إلا أيام أو ساعات وينتهي أمري ، ولكنه وقت يكفي لأن أعود بذاكرتي إلى الوراء أعرض بها الماضي فأتبين ما جاء بي إلى هنا وقادني إلى هذا المصير . ولست أدري أي شعور يخالجني الآن ؟ ! وقد يخيل إلي أنني سأتهافت حتى أهوى ، وسأنفجر فأصيح باكيا ، ولكني أرجو أن أصمد وأتجلد كما