الحياة ، وتقابل كل حادثة وكارثة برباطة جأش وقوة إيمان . لا تتخلص الشعوب من غياهب الجهل ، ولا تتقدم في معارج الحياة التقدم المنشود ، بل لا تكون ذات قوة وسلطان ومنزلة عليا ما لم يكن فيها معلمون ذوو اختصاص يدر بونها فيصلون بها إلى حياة العلم الصحيح ، حياة العزو السؤدد فإذا وجدت شعبا يتقدم نحو الكمال بخطوات رصينة أيقنت أن وراءه مرشدين ينتشلونه من حضيض الجهل والهوان ذروة العلم والمجد ، فبهذا الاعتبار لزم أن يكون المعلم محترم الجانب عزيز الكرامة . وقد سئل الإسكندر ما بالك توقر معلمك أكثر من والدك ، فقال : ( لأن المعلم سبب لحياتي الباقية ، ووالدي سبب لحياتي الفانية ) . وقد بلغ من اهتمام الرشيد بتعليم أولاده أنه سأل يوما من أكرم الناس خدما ؟ فقيل : أمير المؤمنين . فقال : لا بل أكرمهم خدما ( الكسائي ) ! فقد رأيته يخدمه الأمين والمأمون وليا عهد المسلمين وليس لي من الخدم مثلهما . إن للعلم فضلا كبيرا على العالم ، كيف لا وهو يضحي بأعز مالديه من أجل أبناء جلدته ، فإذا كانت الرجال تقاس بأعمالها ، فإن ما يقدمه المعلمون من الخدمات القيمة في سبيل إنهاض شعوبهم تجعل في أبناء تلك الشعوب مكانة خاصة لهؤلاء المرشدين الذين علموا النشئ كيف يقيم لمثل هذه الأعمال وزنا ، فأي شئ أعز من النفس والوقت ، وأغلى ثمنا منهما ، ولعمر الحق أن المتفاني بنفسه ووقته أجل كثيرا من المضحي بماله . ما كان ( سقراط ) إلا معلما علم تلاميذه المبادئ الطيبة حتى عزموا على أن يضحوا حياتهم من أجل تخليصه من حكم الإعدام الصادر بحقه ، لكنه أبى ومات في سبيل الواجب ورعاية القانون ، فعلم الناس بموته حب الموت من أجل المحافظة على النظام .