الإنسان مجرى الدم فضيقوا عليه بالجوع ) وفي حديث آخر ( نور الحكمة الجوع ، ورأس الدين ترك الدنيا ، والقرب إلى الله حب المساكين والدنو منهم والبعد عن الله الذي نقوى به على المعاصي هو الشبع فلا تشبعوا بطونكم فيطفأ نور الحكمة في صدوركم ، فإن الحكمة تسطع في القلب مثل السراج ) . وكان لهذه التعاليم أثرها الفعال في نفوس المسلمين في عهد الرسول ( ص ) حيث تغلبوا على الشهوات وانصرفوا إلى الطاعات ، وأنا لهم الله أعلى الدرجات جاء في الرواية : ( أول بدعة حدثت بعد رسول الله ( ص ) الشبع ، فإن القوم لما شبعت بطونهم جمحت نفوسهم إلى هذه الدنيا ) . ولقد فرض الله على عباده الصوم في جميع الديانات السابقة بطرق مختلفة ، وشرعه القرآن للمؤمنين بالطريقة التي هو عليها في رمضان ، وأخبرنا بالغاية المرجوة منه ، وهي تقوى الله حيث يقول تعالى : ( يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون ) . وهل من تقوى أعظم من أن يراقب العبد ربه ويردع عن الشهوات نفسه ، ويحفظها ويخضعها الامتثال أمر مولاه ، يترك طعامه وشرابه حبا في رضاه . وفي هذا أعظم معاني الجهاد للنفس بإذلالها وإشعارها بمبلغ ضعفها وشدة حاجتها إلى لقمة من الطعام تقيم أودها ، وشربة من الماء تتبلغ بها ، لتسكن إلى ربها وتخضع لعظمته ، فلا تتكبر ، عن عبادته ، وتتصور مقدار فضله عليها ، فتبالغ في شكره وتذكر حالة الفقير فيزيد خوفها ويعظم عطفها على عباده ، فتكثر من الصدقات وتزيد في الإيثار وتحسن كما أحسن الله إليها . وبذلك تسمو وترتفع وتكون مثلا أعلى للكمال الإنساني والنفس العالية . ومن أجل هذا لم يكن الصوم من العبادات الإيجابية التي تشاهد ، بخلاف غيره من العبادات التي يؤديها الإنسان ويطلع عليها الناس ، بل هو عمل سلبي في الظاهر بالامساك عن الطعام والشراب ولكنه