أنا وأولتها من ( الاتقاء ) ، فبالصوم يتقي المرء على نفسه أن يكون كالحيوان الذي شريعته معدته ، وألا يعامل الدنيا إلا بمواد هذه الشريعة ، ويتقي المجتمع على إنسانيته وطبيعته مثل ذلك ، فلا يكون إنسان مع إنسان كحمار مع إنسان يبيعه القوة كلها بالقليل من العلف . وبالصوم يتقي هذا وهذا ما بين يديه وما خلفه ، فإن ما بين يديه هو الحاضر من طباعه وأخلاقه ، وما خلفه هو الجيل الذي سيرت من هذه الطباع والأخلاق ، فيعمل بنفسه في الحاضر ، ويعمل بالحاضر في الآتي [1] . وكل ما شرحناه فهو اتقاء ضرر لجلب منفعة . واتقاء رذيلة لجلب فضيلة وبهذا التأويل تتوجه الآية الكريمة جهة فلسفية عالية ، لا يأتي البيان ولا العلم ولا الفلسفة بأوجز ولا أكمل من لفظها ، ويتوجه الصيام على أنه شريعة اجتماعية إنسانية عامة ، يتقي بها الاجتماع شرور نفسه ، ولن يتهذب العالم إلا إذا كان له مع القوانين النافذة هذا القانون العام الذي اسمه الصوم ، ومعناه ( قانون البطن ) ) . [2] . * * * الأمة التي تريد السيادة الخالدة ، والحرية المستمرة والعزة الدائمة والكرامة الباقية ، لا بد لها من الإيمان الراسخ الذي يقوي روحها ويهذب أخلاقها ، ويبعث فيها العزم الواثب والوعي الصاعد وحب التضحية وصلابة الصبر وما من أمة تهاونت في إيمانها وعقيدتها وقيمتها الروحية وفرائضها وشعائرها الدينية ، إلا أسرع إليها الضعف والانحلال والاضطراب الاجتماعي والقلق
[1] ويشير إلى هذا التأويل قول النبي ( ص ) : ( إنما الصوم جنة ) والجنة الوقاية يتقي بها الإنسان والمراد أن يعتقد الصائم أنه قد صام ليتقي شر حيوانيته وحواسه . [2] وحي القلم .