ولا ييأس من بلوغ أمته أقصى المكانات العمرانية . من يعتقد أن الله أكبر ، كان رجلا صحيحا ، وإنسانا تاما ، وفاضلا صرفا ، لأن من يعتقد أن الله أكبر لا يستبد ولا يتكبر ولا يتجبر ، ولا يعجب بنفسه ، وهي من كبرى مهلكات الإنسان ، ثم لا يسرف لأن باعث الإسراف حب التفرد ، وكيف يتفرد والله أكبر ، ولا يقتر لأن موجبه خوف الفقر ، وكيف يخافه والله أكبر . وصفوة القول أنه لا يقارف دنيئة سواء كانت معنوية أو حسية ، لأن مثيرها إرضاء الهوى ، وكيف يرضى هواه من يعتقد أن الله أكبر . نعم من كان يعتقد أن الله أكبر على هذه الصورة كان مسلما حقا ، ولو قلت : إن الذي سما بهمم آبائنا الأولين ، فرفعهم في بضع وعشرين سنة ، إلى أعلاء عليين هو محض اعتقادهم أن الله أكبر ، لما كنت مغاليا في المقال ، ولا ذاهبا مذهب الشعر والخيال . يقولون : إذا كان هذا أثر الحج فأين نحن منه اليوم ؟ قلنا إن أركان الإسلام كلها مرتبطة ببعضها ، ولا يغني شئ عن شئ منها ، وقد ترك المسلمون كل تلك الأركان ، وبعضهم يأتيها صورة لا حقيقة ، فكيف تؤثر رقهم هذا الأثر الباهر الذي أحدثته في آبائنا الأولين الذين كانوا يراعونها على حقيقتها ؟ . * * * ( لقد بلغ من خوف المؤمنين ( من قوم عيسى ) من الله أن ابتدعوا في ديانتهم الانقطاع عن الدنيا وملازمة الصوامع والأديرة ، ترهبا إلى الله فأقرهم الله عليها ، لأن القصد منها لم يكن إلا ابتغاء مرضاة الله ، ولكنهم لم يراعوا حقوق هذا الترهب لله بما أدخلوه في ديانتهم من عقائد تتنافى مع الإيمان بالله