وإن الذين يشركون مع الله إلها آخرا فليسوا مفلحين . بينما يؤكد في نفس الوقت على أن الذين آمنوا لله ودخل الإيمان قلوبهم وأسلموا وأنابوا فأولئك يغفر الله لهم ويتجاوز عنهم ويبدل سيئآتهم حسنات ، ويجعل لهم عنده مقاما محمودا ومنزلة عليا تجاه ما أتوه من عمل ، وما قدموه بين أيديهم من معروف . * * * إن حقيقة العبادة تتمثل في أمرين رئيسيين : الأول : هو استقرار معنى العبودية لله في النفس ، أي استقرار الشعور على أن هناك عبدا ، وربا . عبدا يعبد . وربا يعبد . وأن ليس وراء ذلك شئ ، وأن ليس هناك إلا هذا الوضع وهذا الاعتبار . ليس في هذا الوجود إلا عابد ومعبود ، وإلا رب واحد والكل له عبيد . والثاني : هو التوجه إلى الله بكل حركة في الضمير ، وكل حركة في الجوارح ، وكل حركة في الحياة . التوجه بها إلى الله خالصة ، والتجرد من كل شعور آخر ، ومن كل معنى غير معنى التعبد لله . والعبادة ليست طاعة القهر والسخط ، ولكنها طاعة الرضا والحب . وليست طاعة الجهل والغفلة ، ولكنها طاعة المعرفة والحصافة ! قد تصدر الحكومة أمرا بتسعير البضائع ، فيقبل التجار كارهين . أو أمرا بخفض الرواتب ، فيقبل الموظفون ساخطين . وقد تشير إلى البهيمة العجماء فتنقاد إليك لا تدري إلى مرتعها أم إلى مصرعها . تلك أنواع من الطاعات بعيدة عن معنى العبادة التي شرع الله للناس فالعبادة التي أجراها الله على الألسنة في الآية الكريمة ( إياك نعبد وإياك نستعين ) ، والتي جعلها حكمة الوجود وغاية الأحياء في قوله : ( ما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون ) تعني الخضوع المقرون بالمعرفة والمحبة . أي الناشئ عن