انتحاب أبي بكر على الوجه المذكور دال على غاية ندامته ، ومثل هذه الندامة حامل على التدارك إن احتاجت إليه ، فعدم التدارك يدل على عدم الظلامة ، فإذا ثبت عدم الظلامة ، فالإشكال إنما هو في أن عدم قبول الاعتذار لا يليق بكمل المؤمنين ، فكيف يليق بسيدة نساء العالمين ( عليها السلام ) ؟ أيجوز أن نظن أن أبا بكر مع الخلافة والسلطنة ينتحب ويبكي ؟ بحيث يكاد نفسه أن تزهق ولا يتدارك ما يجب تداركه ، فهذا من بعيد الظن . قلت : النادم عن المعاصي إذا ندم ندامة صادقة وتدارك ما يحتاج إلى التدارك يعفو عنه من كمل إيمانه ، فكيف لا تعفو عنها سيدة نساء العالمين لو كانت توبتهما جامعة لشرائطهما ، وما ذكر من الاستدلال على كون اعتذارهما لمحض التوبة فضعيف ، لأنه يمكن أن يكون سببه الحيل والدواعي التي ليس لك اطلاع عليها ، ويمكن أن يكون أحدها جلب محبة من لا يتأمل في الأمور حق التأمل . وما تظن من دلالة النحيب على التوبة الكاملة الباعثة على تحصيل جميع ما يعتبر في التوبة ، فضعيف أيضا ، لأنه يمكن أن يكون ندامته عن القبائح التي لا يحتاج انتظام أمره إليها ، مثل كشف بيت فاطمة ( عليها السلام ) كما نقل عنه إظهار الندامة عنه عند قرب انتقاله إلى دار الجزاء . ويمكن أن يكون له ملكة البكاء عند إرادتها ، كما ينقل عن جماعة كثيرة عن أحد ممن عاصرنا أنه كان يمكن له البكاء أي وقت أرادها ، فإذا كان له ملكة البكاء ، فهي في مثل هذا الوقت أحد حيله يغتر بها كثير من الناس . فظهر بما ذكرته أن الاعتذار والنحيب لا يدلان على التوبة . وأما عدم قبول سيدة نساء العالمين اعتذارهما ، فشاهد صدق على عدم تحقق ما يعتبر في التوبة فيهما ، وكيف يتوهم حصول شرائط التوبة فيهما ؟ مع أنهما سمعا منها ( عليها السلام ) إصرارها في السخط ، لم يقولوا : إن أباك كان رحمة للعالمين ، والشيطان مسلط على أكثر